التّفسير
الندم وطلب الرجوع:
تبدأ هذه الآيات ببحث واضح جلي حول المعاد ،ثمّ تبيّن وتبحث حال المجرمين في العالم الآخر ،وهي في المجموع تتمّة للبحوث السابقة التي تحدّثت حول المبدأ ،إذ أنّ البحث عن المبدأ والمعاد مقترنان غالباً في القرآن المجيد فتقول: إنّ هؤلاء الكفّار يتساءلون باستغراب بأنّنا إذا متنا وتحوّلت أبداننا إلى تراب واندثرت تماماً فهل سوف نُخلق من جديد: ( وقالوا ءإذا ضللنا في الأرض أءِنّا لفي خلق جديد ) .
إنّ التعبير ب ( ضللنا في الأرض ) إشارة إلى أنّ الإنسان يصبح تراباً بعد موته كسائر الأتربة ويتفرّق هذا التراب نتيجة العوامل الطبيعية وغير الطبيعية ،ولا يبقى منه شيء حتّى يعيده الله سبحانه في القيامة مرّة اُخرى .
إلاّ أنّ هؤلاء ليسوا بمنكرين قدرة الله في الحقيقة ( بل هم بلقاء ربّهم كافرون )فإنّهم ينكرون مرحلة لقاء الله والحساب والثواب والعقاب لتبرير حرية العمل وليعملوا ما يريدون !
وهذه الآية تشبه كثيراً الآيات الاُولى من سورة القيامة التي تقول: ( أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوّي بنانه بل يريد الإنسان ليفجر أمامه يسأل أيّان يوم القيامة ){[3304]} .
بناء على هذا ،فإنّ هؤلاء ليسوا قاصرين من ناحية الاستدلال ،ولكن شهواتهم حجبت قلوبهم ،ونيّاتهم السيّئة منعتهم من قبول مسألة المعاد ،وإلاّ فإنّ الله الذي أعطى قطعة المغناطيس القوّة التي تجذب إلى نفسها ذرّات الحديد الصغيرة جدّاً والمتناثرة في طيّات أطنان من تراب الأرض من خلال جولة سريعة في تلك الأرض ،وتجمعها بكلّ بساطة ،هو الذي يجعل بين ذرّات بدن الإنسان مثل هذه الجاذبية المتقابلة .
من الذي يستطيع أن ينكر أنّ المياه الموجودة في جسم الإنسانوأكثر جسم الإنسان ماءوكذلك المواد الغذائية ،كانت ذرّاتها متناثرة في زاوية من العالم قبل ألف عام مثلا ،وكلّ قطرة في محيط ،وكلّ ذرّة في إقليم ،إلاّ أنّها تجمّعت عن طريق السحاب والمطر والعوامل الطبيعية الاُخرى ،وكوّنت الوجود الإنساني في النهاية ،فأي داع للعجب من أن تجتمع وترجع إلى حالها الأوّل بعد تلاشيها وتبعثرها ؟!
/خ14