وتطرح الآية الأخيرة من هذه الآياتوالتي تتحدّث عن غزوة الأحزاب وتنهي هذا البحثخلاصة واضحة لهذه الواقعة في عبارة مختصرة ،فتقول في الجملة الاُولى: ( وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً ) .
«الغيظ » يعني ( الغضب ) ويأتي أحياناً بمعنى ( الغمّ ) ،وهنا جاء مزيجاً من المعنيين ،فإنّ جيوش الأحزاب قد بذلت قصارى جهدها للانتصار على جيش الإسلام ،لكنّها خابت ،ورجع جنود الكفر إلى أوطانهم يعلوهم الغمّ والغضب .
والمراد من «الخير » هنا الانتصار في الحرب ،ولم يكن انتصار جيش الكفر خيراً أبداً ،بل إنّه شرّ ،ولمّا كان القرآن يتحدّث من وجهة نظرهم الفكرية عبّر عنه بالخير ،وهو إشارة إلى أنّهم لم ينالوا أيّ نصر في هذا المجال .
وقال البعض: إنّ المراد من «الخير » هنا ( المال ) لأنّ هذه الكلمة اُطلقت في مواضع اُخرى بهذا المعنى ،ومن جملتها ما في آية الوصية ( 180 ) من سورة البقرة: ( إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين ) .
ومع أنّ أحد الأهداف الأصليّة لمعسكر الكفر كان الحصول على غنائم المدينة والإغارة على هذه الأرض ،وهذا الباعث كان أهمّ البواعث في عصر الجاهلية ،لكنّنا لا نمتلك الدليل على حصر معنى ( الخير ) هنا بالمال ،بل يشمل كلّ الانتصارات التي كانوا يطمحون إليها ،وكان المال أحدها لكنّهم حرموا من الجميع .
وتضيف في الجملة التالية: ( وكفى الله المؤمنين القتال ) فقد هيّأ عوامل بحيث انتهت الحرب من دون حاجة إلى التحام واسع بين الجيشين ،ومن دون أن يتحمّل المؤمنون خسائر فادحة ،لأنّ العواصف الهوجاء القارصة قد مزّقت أوضاع المشركين من جهة ،ومن جهة اُخرى فإنّ الله تعالى قد ألقى الرعب والخوف في قلوبهم من جنود الله التي لا ترى ،ومن جهة ثالثة فإنّ الضربة التي أنزلها علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بأعظم بطل من أبطالهم ،وهو «عمرو بن عبد ودّ » ،قد تسبّبت في تبدّد أحلامهم وآمالهم ،ودفعتهم إلى أن يلملموا أمتعتهم ويتركوا محاصرة المدينة ويرجعوا إلى قبائلهم تقدمهم الخيبة والخسران .
وتقول الآية في آخر جملة: ( وكان الله قويّاً عزيزاً ) فمن الممكن أن يوجد اُناس أقوياء ،لكنّهم ليسوا بأعزّاء لا يُقهرون ،بل هناك من يقهرهم ومن هو أقوى منهم ،إلاّ أنّ القوي العزيز الوحيد في العالم هو الله عزّ وجلّ الذي لا حدّ لقدرته وقوّته ولا انتهاء ،فهو الذي أنزل على المؤمنين النصر في مثل هذا الموقف العسير والخطير جدّاً بحيث لم يحتاجوا حتّى إلى النزال وتقديم التضحيات !
/خ25