/م36
وتقول الآية الأخيرة في تكميل المباحث السابقة: ( ما كان على النّبي من حرج فيما فرض الله ) فحيث يأمره الله سبحانه لا تجوز المداهنة في مقابل أمره تعالى ،ويجب تنفيذه بدون أيّ تردّد .
إنّ القادة الربانيين يجب أن لا يصغوا إلى كلام هذا وذاك لدى تنفيذ الأوامر الإلهيّة ،أو يراعوا الأجواء السياسية والآداب والأعراف الخاطئة السائدة في المحيط ،وربّما كان هذا الأمر قد صدر لتمزيق هذه الأعراف المغلوطة ،ولتحطيم البدع القبيحة .
إنّ القادة الإلهيين يجب أن ينفّذوا أمر الله بدون خوف من الملامة والعتاب والضجّة والغوغاء ،وأن كونوا مصداق ( ولا يخافون لومة لائم ){[3383]} .
إنّنا إذا أردنا أن نجلس وننتظر رضا الجميع وسرورهم ثمّ ننفّذ أمر الله سبحانه ،فلنعلم أنّ هذا الأمر لا يمكن تحقّقه ،لأنّ بعض الفئات لا ترضى حتّى نستسلم لما تريد ونتّبع دينها وفكرها ،كما يقول القرآن الكريم ذلك: ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتّى تتّبع ملّتهم ){[3384]} .
وكذلك كان الأمر في مورد الآية التي نبحثها ،لأنّ زواج النّبي ( صلى الله عليه وآله ) من زينب كان يكتنفه في أفكار الناس العامّة إشكالان كما قلنا:
الأوّل: أنّ الزواج بمطلّقة المدّعى كان في نظر أولئك كالزواج بزوجة الابن الحقيقي ،وكانت هذه بدعة يجب أن تُلغى .
والآخر: أنّ زواج رجل مرموق له مكانته في المجتمع كالنّبي ( صلى الله عليه وآله ) من مطلّقة غلام محرّر كان يعدّ عيباً وعاراً ،لأنّه يجعل النّبي والعبد في مرتبة واحدة ،وهذه الثقافة الخاطئة كان يجب أن تقلع وتجتّث من الجذور لتُزرع مكانها القيم الإنسانية ،وكون الزوجين كفؤين لبعضهما إنّما يستقيم ويقاس على أساس الإسلام والإيمان والتقوى وحسب .
وأساساً فانّ مخالفة السنن والأعراف ،واقتلاع الآداب والعادات الخرافية وغير الإنسانية يقترن عادةً بالضجيج والغوغاء والصخب ،وينبغي أن لا يهتمّ الأنبياء بهذا الضجيج والصخب مطلقاً ،ولذلك تعقب الجملة التالية فتقول: ( سنّة الله في الذين خلوا من قبل ) .
فلست الوحيد المبتلى بهذه المشكلة ،بل إنّ الأنبياء جميعاً كانوا يعانون هذه المصاعب عند مخالفتهم سنن مجتمعاتهم ،وعند سعيهم لاجتثاث اُصول الأعراف الفاسدة منها .
ولم تكن المشكلة الكبرى منحصرة في محاربة هاتين السنّتين الجاهليتين ،بل إنّ هذا الزواج لمّا كان مرتبطاً بالنّبي ( صلى الله عليه وآله ) فإنّه يمكن أن يعطي الأعداء حربة اُخرى ليعيبوا على النّبي ( صلى الله عليه وآله ) فعله ،ويطعنوا في دينه ،وسيأتي تفصيل ذلك .
ويقول الله سبحانه في نهاية الآية تثبيتاً لاتّباع الحزم في مثل هذه المسائل الأساسية: ( وكان أمر الله قدراً مقدوراً ) .
إنّ التعبير ب ( قدراً مقدوراً ) قد يكون إشارة إلى كون الأمر الإلهي حتمياً ،ويمكن أن يكون دالا على رعاية الحكمة والمصلحة فيه ،إلاّ أنّ الأنسب في مورد الآية أن يراد منه كلا المعنيين ،أي أنّ أمر الله تعالى يصدر على أساس الحساب الدقيق والمصلحة ،وكذلك لابدّ من تنفيذه بدون استفهام أو تلكّؤ .
والطريف أنّنا نقرأ في التواريخ أنّ النّبي ( صلى الله عليه وآله ) قد أولم للناس وليمة عامّة لم يكن لها نظير فيما سبق اقترانه بزوجاته{[3385]} ،فكأنّه أراد بهذا العمل أن يبيّن للناس أنّه غير قلق ولا خائف من السنن الخرافية التي كانت سائدة في تلك البيئة ،بل إنّه يفتخر بتنفيذ هذا الأمر الإلهي ،إضافةً إلى أنّه كان يطمح إلى أن يصل صوت إلغاء هذه السنّة الجاهلية إلى آذان جميع من في جزيرة العرب عن هذا الطريق .
/خ38