الآية الأخيرة في بحثنا هذا تصف إحدى صور الخسران المبين ،إذ تقول: ( لهم من فوقهم ظلل من النّار ومن تحتهم ظلل ) .
وبهذا الشكل فإنّ أعمدة النيران تحيط بهم من كلّ جانب ،فهل هناك أعظم من هذا ؟وهل هناك عذاب أشدّ من هذا ؟
«ظلل » جمع ( ظلّة )على وزن «سنّة » وتعني الستر الذي ينصب في الجهة العليا .وطبقاً لهذا فإنّ إطلاق هذه الكلمة على ما يفرش تحت أهل النّار إطلاق مجازي ومن باب التوسع في معنى الكلمة .
بعض المفسّرين قالوا: بما أنّ أصحاب النّار يتقلبون بين طبقات جهنم ،فإنّ ستائر النّار محيط بهم من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم .والآية ( 55 ) من سورة العنكبوت تشبه هذه الآية: ( يوم يغشهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون ) .
هذا في الحقيقة تجسيد لأحوالهم وأوضاعهم في هذه الدنيا ،إذ أن الجهل والكفر والظلم محيط بكلّ وجودهم ،ومستحوذ عليهم من كلّ جانب ،ثمّ تضيف الآية مؤكّدة وواعظة إياهم: ( ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون ) .
إضافة كلمة ( العباد )إلى لفظ الجلالة في هذه الآية ،ولعدّة مرّات إشارة إلى أنّ تهديد البارئ عز وجل لعباده بالعذاب إنّما هو لطف ورحمة منه ،وذلك كيلا يبتلى عباده بمثل هذا المصير المشؤوم ،ومن هنا يتضح أنّه لا حاجة لتفسير كلمة ( العباد ) هنا على أنّها تخصّ المؤمنين ،فهي تشمل الجميع ،كي لا يأمن أحد من العذاب الإلهي .