القرآن المجيد يردّ على القول الثّاني من بين الأقوال الثلاثة إذ يقول: ( بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ){[3840]} .
إنّ قولك: لو كانت الهداية قد شملتني لأصبحت من المتقين ،فما هي الهداية الإلهية ؟هل هي غير الكتب السماوية ورسل الله ،وآياته وعلاماته الصادقة في الآفاق والأنفس ؟!إنّك سمعت بأذنيك وشاهدت بعينيك كلّ هذه الآيات ،فما كان ردّ فعلك إزاءها غير التكذيب والتكبر والكفر !
فهل يمكن أن يعاقب البارئ عز وجل أحداً من دون أن يتمّ حجّته عليه ؟وهل كان هناك فرق بينك وبين الذين اهتدوا إلى طريق الحق من حيث المناهج التربوية الإلهية التي أُعدّت لكم ولهم ؟لهذا فأنت المقصر الرئيسي ،وأنت بنفسك جلبت اللعنة إليك !
فمن بين تلك الأعمال الثلاثة يعد ( الاستكبار ) الجذر الرئيسي ،ومن بعد يأتي التكذيب بآيات الله ،وحصيلة الاثنين هو الكفر وعدم الإيمان .
ولكن لماذا لم يجيب القرآن على القول الأول ؟
الجواب: لأنّ هناك حقيقة لا مناص منها ،وهي أنّهم يجب أن يتحسروا ويغرقوا في الغم والهم .
وأما بشأن قولهم الثّالث الذي يتوسلون فيه إلى البارئ عز وجل كي يسمح لهم بالعودة إلى الحياة الدنيا ،فإنّ القرآن الكريم يجيبهم في عدّة آيات منها الآية ( 28 ) من سورة الأنعام: ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون ) والآية ( 100 ) من سورة المؤمنون ،ولا حاجة لتكرار تلك الأجوبة .
والملاحظ هنا أنّ الرد على قولهم الثّاني ،يمكن أن يكون في الوقت نفسه إجابة على السؤال الثّالث أيضاً ،لأنّهم ماذا يهدفون من عودتهم إلى الحياة الدنيا ؟هل أنّه أمر آخر غير إتمام الحجة ،في حين أنّ البارئ عز وجل أتمّ الحجة عليهم بصورة كاملة لا نقص فيها ،فانتباه المجرمين من غفلتهم فور مشاهدتهم للعذاب ،إنّما هو نوع من اليقظة الاضطرارية التي لا يبقى لها أي أثر عندما يعودون إلى حالتهم الطبيعية .حقاً إنّه نفس الموضوع الذي يشير إليه القرآن الكريم بشأن الكافرين والمشركين الذين يدعون الله مخلصين له الدين عندما يبتلون بخطر ما في وسط البحر المتلاطم الأمواج ،ثمّ ينسون الله بمجرّد أن ينجيهم ويوصلهم بسلام إلى ساحل النجاة ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ){[3841]} .
/خ59