الآية الأخيرة في السورة تشير إلى الأساس والسبب في شقاء هذه المجموعة المشركة الفاسدة ،إذ يقول تعالى عنهم: ( ألا إنّهم في مرية من لقاء ربّهم ) .
ولأنّهم لا يؤمنون بيوم الحساب والجزاء ،فهم يقومون بأنواع الجرائم والمعاصي مهما كانت ،ومهما بلغت .إنّ حجب الغفلة والغرور تهيمن على هؤلاء فتنسيهم لقاء الله ،ممّا يؤدي بهم إلى السقوط عن مصاف الإنسانية .
ولكنّهم يجب أن يعلموا: ( ألا إنّهُ بكل شيء محيط ) .
إنّ جميع أعمالهم ونواياهم حاضرة في علم الله ،وكل ذلك يسجّل لمحكمة القيامة والحشر .
«مرية » على وزن «جزية » و«قرية » تعني التردُّد في اتخاذ القرار ،والبعض اعتبرها بمعنى الشك والشبهة العظيمة ،والكلمة مأخوذة في الأصل من «مريت الناقة » بمعنى عصر ثدي الناقة بعد حَلبها أملا بوجود بقايا الحليب فيه ،ولأنّ هذا العمل مع الشك والتردُّد ،فقد وردت هذه الكلمة بهذا المعنى .
وعندما نسمع إطلاق كلمة «المراء » على «المجادلة » فذلك لما يحاوله الإنسان من إخراج ما في ذهن الطرف الآخر .
والآيةفي هذا الجزء منهارد على شبهات الكفار بخصوص المعاد ،فهؤلاء يقولون: كيف يمكن لهذا التراب المتناثر المختلط مع بعضه البعض أن ينفصل ؟ومن يستطيع أن يجمع أجزاء الإنسان ؟والأكثر من ذلك: من الذي يحيط بنيات الناس وأعمالهم على مدى تأريخ البشرية ؟
القرآن يجيب على كلّ ذلك بالقول: كيف يُمكن للخالق المحيط بكل شيء أنْ لا تكون هذه الأمور طوع قدرته وواضحة بالنسبة له ؟
ثم إنّ دليل إحاطة علمه بكل شيء ،هو تدبيره لكل هذه الأمور ،فكيف يجوز لهُ أن لا يعلم بأُمور ما خلقَ ودبّر ؟
بعض المفسّرين اعتبر أنّ الآية تختص بالتوحيد وليسَ بالمعاد ،حيث يقول العلامة الطباطبائي في ذلك: «الذي يفيده السياق أنّ في الآية تنبيهاً على أنّهم لا ينتفعون بالاحتجاج على وحدانيته تعالى بكونه شهيداً على كلّ شيء ،وهو أقوى براهين التوحيد وأوضحها لمن تعقل ،لأنّهم في مرية وشك من لقاء ربّهم ،وهو تعالى غير محجوب بصفاته وأفعاله عن شيء من خلقه »{[4072]} .
ولكن هذا التّفسير مُستبعد نظراً لأنّ تعبير «لقاء الله » عادةً ما يأتي للكناية على يوم القيامة .
/خ54
نهاية سورة فصّلت