وتشير الآية التالية إلى الموهبة السادسة التي منحها الله سبحانه لهؤلاء المنكرين للجميل ،فتقول: ( وآتيناهم بينات من الأمر ) .
«البينات » يمكن أن تكون إشارة إلى المعجزات الواضحة التي أعطاها الله سبحانه موسى بن عمران( عليه السلام ) وسائر أنبياء بني إسرائيل ،أو أنّها إشارة إلى الدلائل والبراهين المنطقية الواضحة ،والقوانين والأحكام المتقنة الدقيقة .
وقد احتمل بعض المفسّرين أن يكون هذا التعبير إشارة إلى العلامات الواضحة التي تتعلق بنبي الإسلام( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،والتي علمها هؤلاء ،وكان باستطاعتهم أن يعرفوا نبي الإسلام( صلى الله عليه وآله وسلم ) من خلالها كمعرفتهم بأبنائهم: ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ){[4346]} .
لكن لا مانع من أن تكون كلّ هذه المعاني مجتمعة في الآية .
وعلى أية حال ،فمع وجود هذه المواهب والنعم العظيمة ،والدلائل البينة الواضحة لا يبقى مجال للاختلاف ،إلاّ أنّ الكافرين بالنعم هؤلاء ما لبثوا أنّ اختلفوا ،كما يصور القرآن الكريم ذلك في تتمة هذه الآية إذ يقول: ( فما اختلفوا إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ) .
نعم ،لقد رفع هؤلاء راية الطغيان ،وأنشبت كلّ جماعة أظفارها في جسد جماعة أخرى ،واتخذوا حتى عوامل الوحدة والأُلفة والانسجام سبباً للاختلاف والتباغض والشحناء ،وتنازعوا أمرهم بينهم فذهبت ريحهم وضعفت قوتهم ،وأفل نجم عظمتهم ،فزالت دولتهم ،وأصبحوا مشردين في بقاع الأرض ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا .
وقال البعض: إنّ المراد هو الاختلاف الذي وقع بينهم بعد علمهم واطلاعهم الكافي على صفات نبيّ الإسلام( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ويهددهم القرآن الكريم في نهاية الآية بقوله: ( إن ربّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) وبهذا فقد فقدوا قوتهم وعظمتهم في هذه الدنيا بكفرانهم النعمة ،واختلافهم فيما بينهم ،واشتروا لأنفسهم عذاب الآخرة .