/م16
المفردات:
بينات من الأمر: أدلة في أمر الدين ،ويندرج فيها المعجزات التي جاء بها موسى عليه السلام .
بغيا: حسدا وعنادا .
التفسير:
17-{وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} .
أعطينا بني إسرائيل شريعة واضحة بينة ،فيها الأوامر والنواهي ،والحلال والحرام ،هذا الوضوح والبيان ،والعلم بما أحل الله وبما حرمه ،كان يقتضي منهم السير صفا واحدا على الطريق الواضح ،والصراط المستقيم ،بيد أنهم اختلفوا وتفرقوا شيعا ،بعد أن جاءهم العلم بالحق ،وسبب الاختلاف هو الحسد والبغي طمعا في مناصب الدنيا وشهواتها ،فانظر كيف كان العلم بأحكام الله ،وتبين شريعته سببا في تفرقهم ،وكان الأصل أن يكون سبب وحدتهم ،لأن العلم إذا وجد قلبا نقيا ،كان العلم كالماء يفيد الأرض الطيبة فينمي بذرتها ،أما العلم إذا وجد قلبا غافلا غارقا في الشهوات ،فإن هذا العلم يكون وبالا على صاحبه ،كالماء إذا وجد أرضا سبخة مريضة ،فإنها لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ .
لقد اختلفوا بعد أن جاءهم العلم واليقين بصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ،وعلموا من التوراة وغيرها صفة محمد صلى الله عليه وسلم ،وأنه يولد في مكة ،ويهاجر إلى يثرب ،وأنه خاتم الرسل وآخرهم ،وأنه لا يقابل السيئة بالسيئة لكن يعفو ويصفح ،وقد استوضحوا صفاته بعد هجرته إلى المدينة ،لكنهم كفروا به ظلما وبغيا وعدوانا .
قال تعالى:{فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ...} ( البقرة: 89 ) .
وقال عز شأنه:{وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة} .( البينة: 4 ) .
وفي الآخرة نجد القضاء العادل من الإله العليم الحكيم ،المطلع على الخفايا والأسرار ،فيتم الحكم بالعدل ،وإنصاف المظلوم وعقوبة الظالم .
{إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} .
إن عدالة الله ستقضي بينهم فيما اختلفوا فيه .
وفي سورة الزمر يقول الله تعالى:{قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون} .( الزمر: 46 ) .
وفي هذا تحذير للأمة الإسلامية من أن تسلك مسلكهم ،وأن تسير على نهجهم .
قال تعالى:{ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} .( الأنفال: 46 ) .