بعد بيان المواهب التي منّ الله تعالى بها على بني إسرائيل ،وكفرانها من قبلهم ،ورد الحديث عن موهبة عظيمة أهداها الله سبحانه لنبيّ الإسلام( صلى الله عليه وآله وسلم )والمسلمين ،فقالت الآية: ( ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر ) .
«الشريعة » تعني الطريق التي تستحدث للوصول إلى الماء الموجود عند ضفاف الأنهر التي يكون مستوى الماء فيها أخفض من الساحل ،ثمّ أطلقت على كلّ طريق يوصل الإنسان إلى هدفه ومقصوده .
إن استعمال هذا التعبير في مورد دين الحق ،بسبب أنّه يوصل الإنسان إلى مصدر الوحي ورضى الله سبحانه ،والسعادة الخالدة التي هي بمثابة الماء للحياة المعنوية .
لقد استعملت هذه الكلمة مرّة واحدة في القرآن الكريم ،وفي شأن الإسلام فقط .
والمراد من «الأمر » هنا هو دين الحق الذي مرّت الإشارة إليه في الآية السابقة أيضاً ،حيث قالت: ( بينات من الأمر ) .
ولما كان هذا المسير مسير النجاة والنصر ،فإنّ الله سبحانه يأمر النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم )بعد ذلك أن ( فاتبعها ) .
وكذلك لما كانت النقطة المقابلة ليس إلاّ اتباع أهواء الجاهلين ورغباتهم ،فإنّ الآية تضيف في النهاية: ( ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) .
في الحقيقة ،لا يوجد إلاّ طريقان: طريق الأنبياء والوحي ،وطريق أهواء الجاهلين وميولهم ،فإذا ولّى الإنسان دبره للأوّل فسيقع في الثّاني ،وإذا توجه الإنسان إلى ذلك السبيل فسينفصل عن خط الأنبياء ويبتعد عنهم ،وبذلك فإنّ القرآن أبطل كلّ البرامج الإصلاحية التي لا تستمد تعليماتها من مصدر الوحي الإلهي .
والجدير بالانتباه أنّ بعض المفسّرين قالوا: إنّ رؤساء قريش أتوا النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم )وقالوا: ارجع إلى دين آبائك ،فإنّهم كانوا أفضل منك وأسلم .وكان النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يزال في مكّة ،فنزلت الآية أعلاه{[4347]} وأجابتهم بأن طريق الوصول إلى الحق هو الوحي السماوي الذي نزل عليك ،لا ما يمليه هوى هؤلاء الجاهلين ورغبتهم .
لقد كان القادة المخلصون يواجهون دائماً وساوس الجاهلين هذه عندما يأتون بدين جديد ويطرحون أفكاراً بناءة طاهرة ،فقد كان الجهال يطرحون عليهم: أأنتم أعلم أم الآباء السابقون والعظماء الذين جاؤوا قبلكم ؟وكانوا يصرون على الاستمرار في ذلك الطريق ،وإذا كان مثل هذا الاقتراح يمكن أن ينزل إلى حيز التطبيق والواقع العملي ،فليس بوسع الإنسان أن يخطو خطوة في طريق التكامل .