ثمّ يضيف القرآن في الآية التالية مبيّناً حاكمية الله في أمر ربوبيته وانتهاء أمور هذا العالم إليه فيقول: ( وانّه هو أضحك وأبكى وأنّه هو أمات وأحيا وأنّه خلق الزوجين الذكر والأنثى{[4842]} من نطفة إذا تمنى ) !
وهذه الآيات الأربع وما قبلها في الحقيقة هي بيان جامع وتوضيح طريف لمسألة انتهاء الأمور إليه وتدبيره وربوبيته ،لأنّها تقول: إنّ موتكم وحياتكم بيده واستمرار النسل عن طريق الزوجين بيده ،وكلّ ما يحدث في الحياة فبأمره ،فهو يضحك ،وهو يبكي ،وهو يميت ،وهو يحيي ،وهكذا فإنّ أساس الحياة والمعوّل عليه من البداية حتّى النهاية هو ذاته المقدّسة .
وقد جاء في بعض الأحاديث ما يوسع مفهوم الضحك والبكاء في هذه الآية ففسّرت بأنّه سبحانه: أبكى السماء بالمطر وأضحك الأرض بالنبات{[4843]} .
وقد أورد بعض الشعراء هذا المضمون في شعره فقال:
إن فَصل الربيع فصل جميل *** تضحك الأرض من بكاء السماء
وما يسترعي النظر أنّ القرآن أشار إلى صفتي الضحك والبكاء دون سائر أفعال الإنسان ،لأنّ هاتين الصفتين خاصّتان بالإنسان وغير موجودتين في الحيوانات الأخر أو نادرتان جدّاً .
أمّا تصوير انفعالات الإنسان عند الضحك أو البكاء وعلاقتهما بالتغيّرات في نفس الإنسان وروحه فإنها غريبة وعجيبة جدّاً ،وكلّ هذه الأمور في مجموعها يمكن أن تكون آية واضحة من آيات المدبّر الحقّ ،بالإضافة إلى التناسب الموجود بين الضحك والبكاء والحياة والفناء !
وعلى كلّ حال ،فانتهاء جميع الأمور إلى تدبير الله وربوبيته لا ينافي أصل الاختيار وحرية إرادة الإنسان ،لأنّ الاختيار وحرية الإرادة في الإنسان أيضاً من قِبَلِ الله وتدبيره وتنتهي إليه !.
/خ49