/م6
والآية اللاحقة تبيّن بوضوح مورد صرف ( الفيء ) الوارد في الآية السابقة وتقول بشكل قاعدة كليّة: ( وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلّله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) .
وهذا يعني أنّ هذه الغنائم ليست كباقي الغنائم الحربية التي يكون خمس منها فقط تحت تصرّف الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسائر المحتاجين ،والأربعة الأخماس الأخرى للمقاتلين .
وإذا ما صرّحت الآية السابقة برجوع جميع الغنائم لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلا يفهم من ذلك أن يصرفها جميعاً في موارده الشخصية ،وإنّما أعطيت له لكونه رئيساً للدولة الإسلامية ،وخاصّة كونه المتصدّي لتغطية حاجات المعوزين ،لذا فإنّ القسم الأكبر يصرف في هذا المجال .
وقد ذكر في هذه الآية بصورة عامّة ستّ مصارف للفيء .
1سهم لله ،ومن البديهي أنّ الله تعالى مالك كلّ شيء ،وفي نفس الوقت غير محتاج لأي شيء ،وهذا نوع من النسبة التشريفية ،حتّى لا يحسّ بقيّة الأصناف اللاحقة بالحقارة والذلّة ،بل يرون سهمهم مرادفاً لسهم الله عزّ وجلّ ،فلا ينقص من قدرهم شيء أمام الناس .
2سهم الرّسول: ومن الطبيعي أن يصرف لتأمين احتياجاته الشخصية ( صلى الله عليه وآله وسلم )وما يحتاجه لمقامه المقدّس وتوقّعات الناس منه .
3سهم ذوي القربى: والمقصود بهم هنا وبدون شكّ أقرباء الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )وبني هاشم ،حيث أنّهم مستثنون من أخذ الزكاة والتي هي جزء من الأموال العامّة للمسلمين{[5195]} .
وأساساً لا دليل على أنّ المقصود من ذوي القربى هم أقرباء الناس جميعاً ،لأنّه في هذه الحالة ستشمل جميع المسلمين ،لأنّ الناس بعضهم أقرباء بعض .
ولكن هل هناك شرط يقضي أن يكون ذوو القربى من المحتاجين والفقراء أو لا يشترط ذلك ؟لقد اختلف المفسّرون في ذلك بالرغم من أنّ القرائن الموجودة في نهاية هذه الآية والآية اللاحقة توضّح لزوم شرط الحاجة .
( 4 ،5 ،6 ): «سهم اليتامى » و «المساكين » و «أبناء السبيل » ،وهل أنّ جميع هؤلاء يلزم أن يكونوا هاشميين أو أنّها تشمل عموم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل ؟
اختلف المفسّرون في ذلك ،ففقهاء أهل السنّة ومفسّروهم يعتقدون أنّ هذا الأمر يشمل العموم ،في الوقت الذي اختلفت الروايات الواردة عن أهل البيت( عليهم السلام )في هذا المجال ،إذ يستفاد من قسم منها أنّ هذه الأسهم الثلاثة تخصّ اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم فقط ،في حين صرّحت روايات أخرى بعمومية هذا الحكم ،ونقل أنّ الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال: «كان أبي يقول: لنا سهم رسول الله ،وسهم ذي القربى ونحن شركاء الناس فيما بقي »{[5196]} .
والآيات الثامنة والتاسعة من هذه السورة ،التي هي توضيح لهذه الآية ،تؤيّد أيضاً أنّ هذا السهم لا يختّص ببني هاشم ،لأنّ الحديث دالّ على عموم فقراء المسلمين من المهاجرين والأنصار .
وبالإضافة إلى ذلك ،فقد نقل المفسّرون أنّ الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد حادثة بني النضير قسّم الأموال المتبقية بين المهاجرين من ذوي الحاجة والمسكنة ،وعلى ثلاثة أشخاص من طائفة الأنصار ،وهذا دليل آخر على عمومية مفهوم الآية .وإذا لم تكن بعض الروايات متناسبة معها ،فينبغي ترجيح ظاهر القرآن{[5197]} .
ثمّ يستعرض سبحانه فلسفة هذا التقسيم الدقيق بقوله تعالى: ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) فيتداول الأغنياء الثروات فيما بينهم ويحرم منها الفقراء{[5198]} .
وذكر بعض المفسّرين سبباً لنزول هذه الجملة بشكل خاصّ ،وأشير له بشكل إجمالي في السابق ،وهو أنّ مجموعة من زعماء المسلمين قد جاؤوالرسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد واقعة بني النضير ،وقالوا له: خذ المنتخب وربع هذه الغنائم ،ودع الباقي لنا نقتسمه بيننا ،كما كان ذلك في زمن الجاهلية .فنزلت الآية أعلاه تحذّرهم من تداول هذه الأموال بين الأغنياء فقط .
والمفهوم الذي ورد في هذه الآية يوضّح أصلا أساسيّاً في الاقتصاد الإسلامي وهو: وجوب التأكيد في الاقتصاد الإسلامي على عدم تمركز الثروات بيد فئة محدودة وطبقة معيّنة تتداولها فيما بينها ،مع كامل الاحترام للملكية الشخصية ،وذلك بإعداد برنامج واضح بهذا الصدد يحرّك عملية تداول الثروة بين أكبر قطاع من الأمة .
ومن الطبيعي ألاّ نقصد من ذلك وضع قوانين وتشريعات من تلقاء أنفسنا ونأخذ الثروات من فئة ونعطيها لآخرين ،بل المقصود تطبيق القوانين الإسلامية في مجال كسب المال ،والالتزام بالتشريعات المالية الأخرى كالخمس والزكاة والخراج والأنفال بصورة صحيحة ،وبذلك نحصل على النتيجة المطلوبة ،وهي احترام الجهد الشخصي من جهة ،وتأمين المصالح الاجتماعية من جهة أخرى ،والحيلولة دون انقسام المجتمع إلى طبقتين: ( الأقليّة الثريّة والأكثرية المستضعفة ) .
ويضيف سبحانه في نهاية الآية: ( وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتّقوا الله إنّ الله شديد العقاب ) .
وبالرغم من أنّ هذا القسم من الآية نزل بشأن غنائم بني النضير ،إلاّ أنّ محتواها حكم عام في كلّ المجالات ،ومدرك واضح على حجيّة سنّة الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وطبقاً لهذا الأصل فإنّ جميع المسلمين ملزمون بإتّباع التعاليم المحمّدية ،وإطاعة أوامر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،واجتناب ما نهى عنه ،سواء في مجال المسائل المرتبطة بالحكومة الإسلامية أو الاقتصادية أو العبادية وغيرها ،خصوصاً أنّ الله سبحانه هدّد في نهاية الآية جميع المخالفين لتعاليمه بعذاب شديد .
/خ7