أمّا هذه الآية فتشير إِلى ملكية الله لما يستوعبه ظرف «الزمان » الوسيع ،وتقول: ( وله ما سكن في الليل والنهار ) .
في الواقع ،عالم المادة هذا يتحدد بالزمان والمكان ،فكل الكائنات التي تقع ضمن ظرف المكان والزمانأي عالم المادة كلهملك لله .
وليس الليل والنهار مختصينطبعاًبالمنظومة الشمسية ،فإنّ لجميع كائنات السماوات والأرض ليلا ونهاراً ،بعضها له نهار دائم بلا ليل ،ولبعضها ليل بلا نهار ،ففي الشمسمثلانهار دائم ،فهناك ضوء دائم بلا ظلام ،وفي بعض الكواكب الخامدة ،التي لا نور فيها ولا تجاور النجوم ،ليل دائم سرمدي ،وهذه كلّها مشمولة بالآية المذكورة .
لابدّ هنا أن نلاحظ أنّ «سكن » والسكونة تعني التوقف والاستقرار في مكان ما ،سواء أكان ذلك الموجود الساكن في حالة حركة أو سكون ،نقول مثلا: فلان «ساكن » في المدينة الفلانية ،أي أنّه مستقر هناك ،مع أنّه يمكن أن يكون متحركاً في شوارعها .
كما يحتمل أن تقابل «السكون » في هذه الآية «الحركة » ،ولمّا كان السكون والحركة من الحالات النسبية ،فإنّ ذكر أحدهما يغنينا عن ذكر الآخر ،وعليه يصبح معنى الآية هكذا: كل ما هو كائن في الليل والنهار وظرف الزمان ساكناً كان أم متحركاً ،ملك لله .
وبهذا يمكن أن تكون الآية إِشارة إِلى أحد أدلة التوحيد ،لأنّ «الحركة » و«السكون » حالتان عارضتان وحادثتان طبعاً ،فلا يمكن أن تكونا قديمتين أزليتين ،لأنّ الحركة تعني وجود الشيء في مكانين مختلفين خلال زمانين ،والسكون يعني وجود الشيء في مكان واحد خلال زمانين ،وعليه فإنّ الالتفات إِلى الحالة السابقة كامن في ذات الحركة والسكون .ونحن نعلم أنّ الشيء إِذا كانت له حالة سابقة لا يمكن أن يكون أزلياً .
نستنتج من هذا الكلام أنّ الأجسام لا تخلو من الحركة والسكون ،وأنّ ما لا يخلو من الحركة والسكون لا يمكن أن يكون أزلياً ،وعليه فكل جسم حادث ،وكل حادث لابدّ من محدث ( خالق ) .
ولكن الله ليس جسماً ،فلا حركة له ولا سكون ،ولا زمان ولا مكان ،ولذلك فهو أبدي أزلي .
وفي نهاية الآية ،وبعد ذكر التوحيد ،تشير الآية إِلى صفتين بارزتين في الله فتقول: ( وهو السميع العليم ) ،أي أنّ اتساع عالم الوجود ،والكائنات في آفاق الزمان والمكان لا تحول أبداً دون أن يكون الله عليماً بأسرارها ،بل إنّه يسمع نجواها ،ويعلم حركة النملة الضعيفة على الصخرة الصمّاء في الليلة الظّلماء في أعماق واد سحيق صامت ،وإنّه ليدرك حاجاتها وحاجات غيرها ،ويعلم ما تفعل .