/م12
{ وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم ( 13 )} الظاهر المختار أن هذا عطف على ما قبله ، أي لله ما في السموات وما في الأرض ، وله ما سكن في الليل والنهار ، واستظهر أبو حيان أنه استئناف أخبار غير مندرج تحت السؤال والجواب ، وسكن من السكنى ، أو من السكون ضد الحركة ، وفيه اكتفاء بما ذكر عما يقابله ، أي له ما سكن وما تحرك ، على حد قوله:{ سرابيل تقيكم الحر} [ النحل:81] أي والبرد .ويجوز الجمع بين المعنيين على مذهب من يجوز ذلك في المشترك بما يحتمله المقام ، والحكمة في ذكر هذا الملك الخاص على دخوله في عموم ما في السموات والأرض:التذكير بتصرفه تعالى بهذه الخفايا فإن السكنى والسكون من دواعي خفاء الساكن ، فإذا كان في الليل كان أشد خفاء ، ولذلك قدم ذكر الليل ، لأن ما يسكن فيه هو المقصود بالذات وعطف النهار عليه تكميل .
ولما ذكرنا تعالى بأنه المالك لما ذكر المتصرف فيه بقدرته بما يشاء كما هو شأن الربوبية الكاملة – ذكرنا بأنه هو السميع العليم أي المحيط سمعه بكل ما من شأنه أن يسمع مهما يكن خفيا عن غيره ، فهو يسمع دبيب النملة في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء .« وكل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها » كما قال أمير المؤمنين على المرتضى كرم الله وجهه .وهو المحيط علمه بكل شيء{ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} [ غافر:19] وإذا كان كذلك فلا يمكن أن تدق عن سمعه دعوة داع ، أو تغرب عن علمه حاجة محتاج ، حتى يخبره بها الأولياء ، أو يقنعه بها الشفعاء ،{ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} [ البقرة:255] .
بعد كتابة ما تقدم راجعت التفسير الكبير فإذا فيه من نكت البلاغة في الآية ما نقله الرازي عن أبي مسلم الأصفهاني وقال إنه أحسن ما قيل في نظمها وهو:ذكر في الآية الأولى السموات والأرض إذ لا مكان سواهما ، وفي هذه الآية ذكر الليل والنهار إذ لا زمان سواهما ، فالزمان والمكان ظرفان للمحدثات .فأخبر سبحانه أنه مالك للمكان والمكانيات ، والزمان والزمانيات .( قال الرازي ) وهذا بيان في غاية الجلالة .وأقول:ههنا دقيقة أخرى وهو أن الابتداء وقع بذكر المكان والمكانيات ، ثم ذكر عقبيه الزمان والزمانيات ، وذلك لأن المكان والمكانيات ، أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان والزمانيات ، لدقائق مذكورة في العقليات الصرفة .والتعليم الكامل هو الذي يبدأ فيه بالأظهر فالأظهر مترقيا إلى الأخفى فالأخفى اه .