التّفسير:
بدأت هذه السورة بآية تؤكّد على قطع كلّ علاقة بأعداء الله ،وتختتم هذه السورة بآية تؤكّد هي الأخرى على نفس المفهوم والموقف من أعداء الله:{يا أيّها الذين آمنوا لا تتولّوا قوماً غضب الله عليهم} وبتعبير آخر فإنّ ختام السورة رجوع إلى مطلعها .
ويحذّر القرآن الكريم من أن يتّخذ أمثال هؤلاء أولياء وأن تفشى لهم الأسرار فيحيطون علماً بخصوصيات الوضع الإسلامي .
ويرى البعض أنّ الآية صريحة في أنّ المراد بالمغضوب عليهم فيها هم ( اليهود ) إذن أنّهم ذكروا في آيات قرآنية أخرى بهذا العنوان ،قال تعالى: ( فباؤا بغضب على غضب ){[5256]} .
وهذا التّفسير يتناسب أيضاً مع سبب النزول الذي ذكر لهذه الآية ،حيث تحدّثنا بعض الرّوايات أنّ قسماً من فقراء المسلمين كانوا يذهبون بأخبار المسلمين إلى اليهود مقابل إعطائهم شيئاً من فواكه أشجارهم ،فنزلت الآية أعلاه ونهتهم عن ذلك{[5257]} .
ومع ذلك فإنّ للآية مفهوماً واسعاً حيث يشمل جميع الكفّار والمشركين ،والتعبير ب «الغضب » في القرآن الكريم لا ينحصر باليهود فقط ،إذ ورد بشأن المنافقين أيضاً كما في الآية ( 6 ) من سورة الفتح ،بالإضافة إلى أنّ سبب النزوللا يحدّد مفهوم الآية .
وبناءً على هذا فإنّ ما جاء في الآية الشريفة يتناسب مع أمر واسع جاء في أوّل آية من هذه السورة تحت عنوان ( موالاة أعداء الله ) .
ثمّ تتناول الآية أمراً يعتبر دليلا على هذا النهي حيث يقول تعالى:{قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفّار من أصحاب القبور}{[5258]} .
ذلك أنّ موتى الكفّار سيرون نتيجة أعمالهم في البرزخ حيث لا رجعة لهم لجبران ما مضى من أعمالهم السيّئة ،لذلك فإنّهم يئسوا تماماً من النجاة ،وهؤلاء المجرمون في هذه الدنيا قد غرقوا في آثامهم وذنوبهم إلى حدّ فقدوا معه كلّ أمل في نجاتهم ،كما هو الحال بالنسبة للموتى من الكفّار .
إنّ مثل هؤلاء الأفراد من الطبيعي أن يكونوا أشخاصاً غير أمناء ولا يعتد بكلامهم وعهدهم ،ولا اعتبار لودّهم وصداقتهم ،لأنّهم يائسون تماماً من رحمة الله ،ولهذا السبب فإنّهم يرتكبون أقبح الجرائم وأرذل الأعمال ،وجماعة هذه صفاتها كيف تثقون بها وتعتمدون عليها وتتّخذونها أولياء ؟! .