ثم نبه تعالى في آخر السورة بما نبه في فاتحتها من النهي عن موالاة محاربي الدين تحذيرا من التهاون في ذلك وزيادة اعتناء به فقال سبحانه:{ يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم} أي مسخوطا عليهم لمعاداتهم الحق ومحاربتهم الصلاح ،وعبثهم بالفساد وهو عام في كل محارب ومنهم من خصه باليهود ،لأنه عبر عنهم في غير هذه الآية بالمغضوب عليهم واقتصر عليه الزمخشري قال الناصر:قد كان الزمخشري ذكر في قوله{[7081]}:{ وما يستوي البحران} إلى قوله:{ ومن كل تأكلون لحما طريا} أن آخر الآية استطراد وهو فن من فنون البيان مبوب عليه عند أهله وآية الممتحنة هذه ممكنة أن تكون من هذا الفن جدا فإنه ذم اليهود واستطراد ذمهم بذم المشركين على نوع حسن من النسبة ،وهذا لا يمكن أن يوجد للفصحاء في الاستطراد أحسن ولا أمكن منه ومما صدروا به هذا الفن قوله:
إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه*** فليس به بأس وإن كان من جرم
وقوله{[7082]}
إن كنت كاذبة الذي حدثني *** فنجوت منجى الحارث بن هشام
وقوله{[7083]}
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم *** ونجا برأس طمرة ولجام
انتهى .
وكان وجه إيثاره الفرار من التأكيد إلى التأسيس مع أن إرادة ما أريد بأول السورة منه فيه المحسنات البديعية رد لعجز على الصدر تذكيرا به وتفخيما للعناية بشانه ولكل وجهة .
{ قد يئسوا من الآخرة} أي من جزائها لجحدهم بها ،ولذلك طغوا وبغوا وعاثوا ،والجملة صفة ثانية،{ كما يئس الكفار من أصحاب القبور} أي كما يئس من سلفهم من إخوانهم الكفار المقبورين أي أنهم على شاكلة من قبلهم وكل مؤاخذ بكفره وقيل المعنى كما يئس الكفار أن يرجع إليهم أصحاب القبور الذين ماتوا ففيه وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا لكفرهم وبيانا لما اقتضى الغضب عليهم ولما آيسهم والأول أظهر .