/م19
التّفسير
مقياس الفخر والفضل:
مع أنّ للآياتمحل البحثشأناً في نزولها ،إلاّ أنّها في الوقت ذاته تستكمل البحث الذي تناولته الآيات المتقدمة ،ونظير ذلك كثير في القرآن .
فالآية الأُولى من هذه الآيات تقول: ( أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم والآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) .
«السقاية » لها معنى مصدريٌ وهو إيصال الماء للآخرين ،وكما تعني المكيال ،كما جاء في الآية 70 من سورة يوسف ( فلمّا جهّزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ) وتعني الإِناء الكبير أو الحوض الذي يُصب فيه الماء .
وكان في المسجد الحرام بين بئر زمزم والكعبة محل يوضع فيه الماء يدعى ب «سقاية العباس » وكان معروفاً آنئذ ،ويبدو أنّ هناك إناءً كبيراً فيه ماء يستقى منه الحاج يومئذ .
ويحدثنا التأريخ أنّ منصب «سقاية الحاج » قبل الإِسلام كان من أهل المناصب ،وكان يضاهي منصب سدانة الكعبة ،وكانت حاجة الحاج الماسة في أيّام الحج إِلى الماء في تلك الأرض القاحلة اليابسة المرمضة{[1607]} التي يقل فيها الماء ،وجوّها حار أغلب أيّام السنة ،وكانت هذه الحاجة الماسة تولي موضوع «سقاية الحاج » أهميّة خاصّة ،ومن كان مشرفاً على السقاية كان يتمتع بمنزلة اجتماعية نادرة ،لأنّه كان يقدم للحاج خدمة حياتية .
وكذلك «عمارة المسجد الحرام » أو سدانته ورعايته ،كان لها أهميته الخاصّة ،لأنّ المسجد الحرام حتى في زمن الجاهلية كان يعدّ مركزاً دينياً ،فكان المتصدي لعمارة المسجد أو سدانته محترماً .
ومع كل ذلك فإنّ القرآن يصّرح بأنّ الإِيمان بالله وباليوم الآخر والجهاد في سبيل الله أفضل من جميع تلك الأعمال وأشرف .