{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ( 19 )}
المفردات:
سقاية الحاج: المراد من الحاج: جنس الحجاج ومن سقايتهم إعطاؤهم ما يشربون .
التفسير "
19 –{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ ...}
المناسبة:هذه الآية مرتبطة بما قبلها ،ومكملة لها ،فالآية السابقة أوضحت أن عمارة المسجد الحرام مقبولة إذا كانت عن إيمان ؛فهي للمسلمين دون المشركين ،وهذه الآية أبانت أن الإيمان والجهاد أفضل مما كان يفخر به المشركون من عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج .
سبب النزول:
روى: أن المشركين سألوا اليهود قائلين: نحن سقاة الحاج ،وعمار المسجد الحرام ؛أفنحن أفضل أم محمد وأصحابه ؟فقالت اليهود عنادا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم أفضل ؛فرد الله على الجميع منزلا هذه الآية الكريمة .
والمعنى: أجعلتم أهل سقاية الحاج ،وأهل عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر ،وجاهد في سبيل الله ؟!
فالإيمان بالله واليوم الآخر ،والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس أفضل وأعظم درجة من أعمال السقاية والسدانة أو العمارة .
{لا يستوون عند الله} .
أي: لا يستوي المشركون – وإن تقربوا بالسقاية وعمارة المسجد الحرام – مع المؤمنين ،المجاهدين في سبيل الله .
{والله لا يهدي القوم الظالمين} .
والله لا يوفق القوم الظالمين ولا يرشدهم ؛لأنهم قد آثروا الشر على الخير ،والضلالة على الهدى .
من تفسير المنار
قال صاحب المنار – بعد أن ساق عددا من الروايات في سبب نزول هذه الآية -: والمعتمد من هذه الروايات حديث النعمان ؛لصحة سنده28 .
حديث النعمان في صحيح مسلم
أورد ابن جرير الطبري وغيره من المفسرين ،ما رواه مسلم وأبو داود وابن المنذر عن النعمان ابن بشير قال:
كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام ،وقال آخر ،الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم ؛فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم – وذلك يوم الجمعة – ولكن إذا صليت الجمعة دخلت واستفتيته فيما اختلفتم فيه ،فأنزل الله عز وجل:
{أجعلتم سقاية الحاج وعمارة السجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر ....} الآية .
وهذا المساق يقتضي أن الآية نزلت ؛عند اختلاف المسلمين في الأفضل من هذه الأعمال .
قال صاحب المنار: المعتمد أن موضوع الآيات في المفاضلة أو المساواة بين خدمة البيت وحجاجه من أعمال البر الهينة المستلذة ،وبين الإيمان والجهاد بالمال والنفس والهجرة وهي أشق العبادات البدنية والمالية اه .
بعض المفسرين يرجح أن الآية رد على المشركين
ذكر بعض المفسرين: أن هنا إشكال ؛لأن تمام الآية يقول:{والله لا يهدي القوم الظالمين} .وهذا مشكل بالنسبة للمسلمين ؛فإنهم جميعا مهديون وليسوا بظالمين .
وأجيب عن هذا الإشكال بأنه: لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم الآية ظن الراوي أنها نزلت حينئذ ؛فقال: إنها نزلت بهذا السبب في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم ،لما استفتاه عمر فيما اختلفوا فيه قرأ النبي صلى الله عليه وسلم الآية التي نزلت من قبل بشأن المشركين ،مستدلا بها على أن الجهاد أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ؛ليعلم المختلفون الحكم ،فالآية في الحقيقة لم تنزل بسبب هذا الخلاف ،والراوي أخطأ في ظنه نزولها بسببه ،أو تسامح في التعبير .
قال القرطبي نقلا عن غيره: لا يستبعد أن ينتزع مما أنزل في المشركين أحكام تليق بالمسلمين .
قال عمر: إنا لو شئنا لاتخذنا سلائق وشواء ؛وتوضع صفحة ،وترفع أخرى ،لكنا سمعنا قول الله تعالى:{أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} . ( الأحقاف: 20 ) .
وهذه الآية نص في الكفار ،ولكن عمر رضي الله عنه فهم منها زجر المسلمين أيضا عما يناسب أحوال الكافرين ،بعض المناسبة ،ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ،فهذه الآية من هذا النوع .
قال القرطبي: وهذا تأويل نفيس وبه يزول الإشكال ا ه29 .
فالآية نزلت في سياق الرد على المشركين ،ولكن المسمين استفادوا بمضمونها عندما اختلفوا في اختيار أفضل الأعمال ؛لأنها جعلت الإيمان ،والجهاد في سبيل الله أفضل الأعمال .
والله تعالى أعلى وأعلم
/خ22