/م17
المفردات:
مساجد الله: أي: أماكن عبادته .
18 –{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ ...} الآية .
أي: إنما يستحق عمارة المساجد ،وتستقيم منه العمارة ويكون أهلا لها من آمن بالله وحده معبودا ،على النحو المبين في القرآن الكريم ،وآمن باليوم الآخر موعدا ومصيرا ،وحسابا وجزاء ،وأدى الصلاة على وجهها المشروع في مواقيتها ،وأعطى الزكاة بأنواعها ومقاديرها ،لمستحقيها المعروفين ،كالفقراء ،والمساكين ،وأبناء السبيل ،ولم يخش في قوله وعمله إلا الله وحده ،دون غيره من الأصنام والعظماء الذين لا ينفعون ولا يضرون في الحقيقة ،وإنما النفع والضر بيد الله ،هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات ،هم الذين يقتصر عليهم عمارة المساجد ،الحسية بالبناء والتشييد والترميم ،والمعنوية بالعبادة والأذكار وحضور دروس العلم ،دون من أشرك بالله ،وكفر برسول الله صلى الله عليه وسلم ،هؤلاء المشركون الضالون الذين يجمعون بين الأضداد فيشركون بالله ،ويسجدون للأصنام ،ثم يقدمون بعض الخدمات للمسجد الحرام .
{فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} .
وهو تذييل قصد به حسن عاقبة المؤمنين الصادقين ،أي: فعسى أولئك المتصفون بتلك الصفات الجليلة ،أن يكونوا من المهتدين إلى الجنة ،وما أعد فيها من خير عميم ورزق كبير .
والتعبير بعسى هنا ،مقصود به قطع أطماع الكافرين ،أي: إذا كان هؤلاء المؤمنون – وهم من هم – يدور أمرهم بين لعل وعسى ،فكيف يقطع المشركون – وهم بين المخازي والقبائح – أنهم مهتدون20 .
وقد ذكر العلماء: أن كلمة عسى إذا جاءت من الله تعالى ؛فهي بمعنى: وجب واستحق كما قال تعالى:{ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} . ( الإسراء: 79 ) .
أما معنى عسى في النحو: فهو الترجي .
كما قال الشاعر:
عسى فرج يأتي به الله إنه ***له كل يوم في خليقته أمر
قال الآلوسي في تفسيره:
"وفي التعبير بعسى قطع اتكال المؤمنين على أعمالهم ،وإرشادهم إلى ترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء ".
ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتي:
1 – أعمال البر الصادرة عن المشركين كإطعام الطعام ،وإكرام الضيف ...إلخ .لا وزن لها عند الله ؛لاقترانها بالكفر والإشراك به سبحانه .
وذهب الشيخ محمد عبده .وتلميذه السيد رشيد رضا ،إلى موقف آخر ،حيث رجحوا أن يجازيهم الله تعالى على هذه الأعمال في الآخرة .
واستشهدوا بعدل الله القائل:{فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} . ( الزلزلة: 7 ،8 ) .
وقوله عز شأنه:{إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} . ( النساء: 40 ) .
2 – إن عمارة مساجد الله من حق المؤمنين وحدهم ،أما المشركون فإنهم لا يصح منهم ذلك ؛بسبب كفرهم ونجاستهم .
"والأصح أنه يجوز استخدام الكافر في بناء المساجد ،والقيام بأعمال لا ولاية فيها كنحت الحجارة والبناء والنجارة ،فهذا لا يدخل في المنع المذكور في الآية .
ولا مانع أيضا من قيام الكافر ببناء مسجد أو المساهمة في نفقاته ،بشرط ألا يتخذ أداة للضرر ،وإلا كان حينئذ كمسجد الضرار .... 21 .
جاء في حاشية الجمل على الجلالين:
"لا يصح للمشركين أن يعمروا مساجد الله بدخولها والقعود فيها ،فإذا دخل الكافر المسجد بغير إذن من مسلم ؛عزر وإن دخل بإذنه ؛لم يعزر ،لكن لا بد من حاجة ،فيشترط للجواز الإذن والحاجة "22 .
ونلاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل وفد ثقيف في المسجد وهم كفار ،وشد ثمامة بن أثال الحنفي في سارية من سواري المسجد الحرام وهو كافر23 .
ونجاسة الكافر نجاسة معنوية ،فإذا دخل المسجد لغرض من الأغراض ،وأخذ إذنا من الجهات المختصة ؛جاز ذلك .
2 – يؤخذ من الآيتين التنويه بشأن المساجد والتعبد فيها ،وإصلاحها ،وخدمتها ،وتنظيفها ،والسعي إليها ،واحترامها ،وصيانتها عن كل ما يتنافى مع الغرض الذي بنيت لأجله ،وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا المعنى ،منها ما يأتي:
1 – روى الشيخان والترمذي: عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من بنى لله مسجدا يبتغي به وجه الله ؛بنى الله له بيتا في الجنة "24 .
2 – وروى الشيخان والحافظ أبو بكر البزار ،وعبد بن حميد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إنما عمار المساجد هم أهل الله "25 .
3 – وروى أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وابن مردوية: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد ؛فاشهدوا له بالإيمان ،قال الله تعالى:{إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم والآخر}26 .
4 – وروى الشيخان: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من غدا إلى المسجد أو راح – أي: سار قبل الزوال أو بعده لعبادة الله في المسجد - ؛أعد الله له منزلا –أي: مكانا طيبا في الجنة - ؛كلما غدا أو راح "27 .