ثمّ يعرج السياق القرآني على المجموعة المخالفة فيقول: ( وقد خاب من دسّاها ) .
«خاب »: من الخيبة ،وهي فوت الطلب ،كما يقول الراغب في المفردات والحرمان والخسران .
«دسّاها » من مادة «دس » وهي في الأصل بمعنى إدخال الشيء قسراً ،وجاء في الآية ( 59 ) من سورة النحل قوله سبحانه: ( أم يدسّه في التراب ) ،إشارة إلى عادة الجاهليين في وأد البنات ،أي إدخالهن في التراب كرهاً وقسراً ومنه «الدسيسة » التي تقال للأعمال الخفية والضارة .
وما هي المناسبة بين معنى الدسّ ،وقوله سبحانه: ( وقد خاب من دسّاها ) .
قيل: إنّ هذا التعبير كناية عن الفسق والذنوب ،فأهل التقوى والصلاح يظهرون أنفسهم ،بينما المذنبون يخفونها ،ويذكر أنّ العرب الكرماء جرت عادتهم على نصب خيامهم على المرتفعات ،وإشعال النيران قربها في الليل ،لتكون بادية للمارّة ليل نهار ،بينما أهل البخل واللؤم يقبعون في المنخفضات كي لا يأتيهم أحد .
وقيل: إنّ المقصود اندساس المذنبين بين صفوف الصالحين .
وقيل: إنّ المذنب يدس نفسه أو هويته الإنسانية في المعاصي والذنوب .
وقيل: إنّه يخفي المعاصي والذنوب في نفسه .
والتعبيرعلى كل حالكناية عن التلوث بالذنوب والمعاصي والخصائل الشيطانية ،وبذلك يقع في المنطقة المقابلة للتزكية .
والآية تحتمل في مفهومها الواسع كلّ هذه المعاني .
وبهذا المعيار يتمّ تمييز الفائزين عن الفاشلين في ساحة الحياة .«تزكية النفس وتنميتها بروح التقوى وطاعة اللّه » أو «تلوثها بأنواع المعاصي والذنوب » .
الإمامان الباقر والصادق( عليهما السلام ) قالا في تفسير الآية الكريمة: «قد أفلح من أطاع وخاب من عصى »{[6016]} .
وعن رسول اللّه( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال حين تلا الآية: «اللّهم آت نفسي تقواها ،أنت وليها ومولاها ،وزكّها أنت خير من زكّاها »{[6017]} .
وهذا الحديث يدل على أن اجتياز تعاريج المسيرة الحياتية والعبور من العقبة لا يتيسّر حتى لرسول اللّه( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلاّ بتوفيق اللّه تعالى ،أي لا يتيسّر إلاّ بعزم العبد وتأييد الباري ،ولذلك ورد في حديث آخر عن الرسول الأعظم( صلى الله عليه وآله وسلم ) في تفسير الآيتين قوله: «أفلحت نفس زكّاها اللّه وخابت نفس خيبها اللّه من كلّ خير »{[6018]} .
/خ10