قوله تعالى:{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} ( يثبت ) ،بالتشديد يعني التمكين عند الشدة{[2394]} .
والمعنى: أن المؤمنين العاملين المخلصين يثبت الله قلوبهم بتمكينها عند الأهوال وفي ساعات الشدة سواء في الدنيا أو الآخرة .
والإنسان من جهته ،لا مناص له من مواجهة الأهوال والبلايا في كلتا الدارين ؛فالذين كفروا من الضالين والمضلين الذين زاغوا عن ملة الحق وتنكبوا عن منهج الله ؛لا جرم أنهم الأخسرون في هذه الدنيا ،حيث الفتن والمفاسد والأسقام النفسية والشخصية والاجتماعية وغير ذلك من الأمراض التي تسري في الجاحدين الشاردين عن سبيل الله .وفي الآخرة هم الأذلون التعساء الذين يواجهون الخزي والويل والنار .أما عباد الله الطائعون الثابتون على الحق الماضون على دين الله ومنهجه ،لا جرم أنهم الثابتون الذين يمكنهم الله في الدارين تمكينا ،فلا تثنيهم الشدائد والفتن عن الاستمساك بالحق ،ولا يزيغون عن منهج الله مهما كانت الظروف ،أو عصفت بهم رياح الظالمين والمتآمرين والخائنين الذين يتمالأون على الإسلام والمسلمين في كل حين .
قوله: ( بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قيل: القول الثابت في الحياة الدنيا يراد به شهادة أن لا إلا الله وأن محمدا رسول الله .وقيل: ما كان راسخا في قلوب المؤمنين وعقولهم من صدق العقيدة والإيمان بالله ورسوله ،ومن المعاني والقناعات التي كانت تغذو أذهانهم وقلوبهم في الحياة الدنيا .وذلك هو القول الثابت الذي يثبت الله به عباده المؤمنين المخلصين في الدنيا .
قوله: ( وفي الآخرة ) أي عذاب القبر ،وذلك حين يسألون عما كانوا عليه من التوحيد والإيمان بالله وبرسوله ( ص ) فالمؤمنون المخلصون يثبتهم الله ؛إذ يمكنهم تمكينا فيجيبون الملائكة ثابتين مطمئنين .لكن المجرمون الجاحدون ؛يسقطون في ظلمة التخسير والهوان واليأس وحينئذ تقرع المجرمين في قبورهم غاشية فظيعة من الرعب والوجل ،فيستحوذ عليهم التلعثم والدهش ،ويتملكهم الاضطراب والانغلاق والزعزعة ،فلا يستطيعون الإجابة أو الحديث إلا في تأتأة وتلعثم وعسر بالغ .نجانا الله من كل هاتيك الكروب والأهوال وكتب لنا في الدارين السلامة والأمن والنجاة .
قوله: ( ويضل الله الظالمين ) أي هؤلاء الجاحدون الخاسرون لا يوفقهم الله في حياتهم الدنيا ،ولا يثبتهم على القول الثابت في مواطن الفتن والشدائد ،لاختيارهم الكفر والباطل .وكذلك يضلهم عن حجتهم في قبورهم كما ضلوا في الدنيا بكفرهم فلا يلقنهم كلمة الحق ،فإذا سئلوا في قبورهم قالوا: لا ندري .فيقول: لا دريت ولا تليت ،وعند ذلك يضرب بالمقامع{[2395]} وقد ثبت مثل ذلك في الأخبار .
قوله: ( ويفعل الله ما يشاء ) وذلك في تثبيت الذين آمنوا وإضلال الظالمين الذين خسروا أنفسهم .فلا اعتراض على الله في ذلك ولا تعقيب{[2396]} .