تثبيت الله للمؤمنين في الدنيا والآخرة
وهذا ما ينبغي للمؤمن أن يعيشه ويتحرك فيه ويسمو إليه ،لينطلق في الحياة الفكرية التي تمثل خط السير لديه ،من قاعدة ثابتةٍ على أساس الحق في المضمون ،والحجّة في الحق ،لئلا تهتز حياته باهتزاز قناعاته عند أوّل ريحٍ تهبّ على فكره من هنا وهناك ،إنه القول الثابت بالحجة الواضحة القوية التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يقف في ساحة الصراع بخطوات ثابتةٍ ،لا يملك أهل الباطل أن ينحرفوا به عنها{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا} بحيث لا يسقطون أمام الفتنة ،ولا ينهارون أمام الاضطهاد ،ولا ينحرفون أمام الإغراء{وَفي الآخرةِ} في وقوفهم بثبات أمام الله ،في لحظات الحساب دون أن تهزهم أو تسقطهم أهوال القيامة ،لأنهم يملكون الرؤية الواضحة لكل الحق الذي اعتقدوه أو عملوا به .فهم يملكون لكل سؤالٍ جواباً ،ولكل عملٍ تفسيراً ،ذلك أن الإيمان الذي يتعمّق في الفكر والروح والشعور ويمتد في الحياة ،يمنح صاحبه الثبات في الخطى ،والقوّة في الموقف .
إضلال الله الظالمين
أمّا الذين كفروا ،بما يمثله الكفر من أوهامٍ وتخيلات لا تثبت أمام النقد أو التحدّي لافتقارها إلى الحجة ،فإنهم يزدادون ضلالاً كلما امتدت بهم الحياة ،لأنّهم ولروحية العناد التي تحكمهم ،لا يريدون لضلالهم أن يتحوّل إلى هدى ،فيتركهم الله لضلالهم في الدنيا ،من خلال اختيارهم لذلك ،ويحمّلهم مسؤوليته في الآخرة ،بالنتائج السلبية التي يفرضها ،وهذا هو معنى إضلال الله لهم ،إذ إنه يترك لحياتهم حرية التحرك من مواقع الأهواء{وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والتمرُّد والعصيان ،فاختاروا لأنفسهم الضياع في الطريق ،والضلال عن الهدف السويّ والصراط المستقيم ،{وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَآءُ} مما تقتضيه الحكمة في تدبير أمور الناس وفي شؤون الحياة ،لأنه هو الذي لا رادَّ لمشيئته ،فإذا أراد شيئاً كان .