{أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ في الأرْضِ} لأنهم لا يملكون أيّة قوّة ذاتية بعيداً عما يريده الله لهم من القوّة ،ولكن الله يمهلهم ويؤخرهم إلى أجل مسمّى ،من خلال حكمته التي أودعها في الكون ،وأجرى عليها سننه ،في تسيير أمور الحياة على نهج معيّن .فإذا جاء الأجل الذي تنتهي إليه الفترة ،فإنه يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ،ولن يعجزه أحد منهم ،مهما كانت قوّته .
{وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ} ينصرونهم من دونه ،لأن ما يزعمونه من هؤلاء الأولياء مخلوقون له ،خاضعون بتكوينهم لإرادته ،فلا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً إلا بالله ،فكيف يملكونه لغيرهم ؟{يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ} جزاء ضلالهم وإضلالهم ،فيحصدون العذاب بسبب هاتين الجريمتين ،{مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} وذلك لأن الله قد سلبهم السمع والبصر من خلال امتناعهم عن توجيه آذانهم إلى الاستماع ،وعدم استفادتهم من بصرهم ،وبهذا يتبين أن عدم استطاعتهم للسمع ،وعدم كونهم مبصرين ،لم يكن ناتجاً عن حالة العجز الذاتي عن ذلك ،بل عن عجز طارىء كانوا هم السبب فيه ،في ما أودعه الله في الأشياء من علاقة المسبب بالسبب ،فإذا أراد الإنسان الاستماع ليسمع ،كان السمع أمراً طبيعياً له ،وكذلك البصر إذا أراد الإبصار ،أما إذا لم يرد ذلك وأغلق أذنيه بإغلاق قلبه ،أو أغلق عينيه بإغلاق معنويّ أو روحيٍّ ،فإنه لا مجال لسمع أو بصر ،فيكون وزان هذه الفقرة ،وفق قوله تعالى:{لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ} [ الأعراف:179] ،أو قوله تعالى:{وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ* فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ} [ الملك:1011] مما يوحي بأن المسألة لا تخرج عن إطار الإرادة والاختيار عندهم .