/م18
{ أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض} أي لم يكونوا معجزين الله في الدنيا أن يعاقبهم بظلمهم وصدهم عن سبيله وكفرهم بكتابه ورسوله ولقائه{ وما كان لهم من دون الله من أولياء} وما كان لهم فيها أولياء من دونه يتولون أمرهم عنده ، ولا أنصار يمنعونهم من عقابه وينصرونهم ، ولكن سبقت كلمته واقتضت مشيئته وحكمته أن يؤخرهم إلى هذا اليوم{ يضاعف لهم العذاب} فيه بالنسبة إلى ما كان يكون من عقابهم في الدنيا لو عوقبوا فيها ، لا بالزيادة عما يستحقونه منه بمقتضى سنته تعالى في إفساد كفرهم لأرواحهم ، وتدسية ظلمهم لأنفسهم ، وهذه الجملة استئناف بياني .قرأ الجمهور يضاعف من المضاعفة وابن كثير وابن عامر ويعقوب يضعف بالتشديد من التضعيف .
وعلل هذه المضاعفة بقوله:{ ما كانوا يستطيعون السمع} أي ما كانوا يستطيعون إلقاء أسماعهم إلى القرآن إصغاء لدعوة الحق وكلام الله عز وجل لاستحواذ الباطل على أنفسهم ، ورين الكفر والظلم على قلوبهم بل كانوا ينهون عنه وينؤن عنه ومن ذلك قوله فيهم{ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} [ فصلت:26]{ وما كانوا يبصرون} ما يدل عليه من آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم ، أي أنهم لشدة انهماكهم في الكفر ولوازمه من الباطل واتباع الهوى والشهوات ، صاروا يكرهون الحق والهدى كراهة شديدة بحيث يثقل عليهم سماع ما يبينه من الآيات السمعية ، وما يثبته من الآيات البصرية ، وليس المراد أنهم فقدوا حاستي السمع والبصر فصاروا صما وعميانا بالفعل .بل هم كما يقول أمثالهم فيما يبغضون أنني لا أطيق رؤية فلان ، ولا أقدر أن أسمع كلامه وتذكر أو راجع قوله تعالى لنبيه في سورة يونس{ ومنهم من يستمعون إليك} [ يونس:42] الخ .
وأمثالهم مشاهدون في كل زمان ومكان ، أعطى رجل مؤمن رجلا متفرنجا منهم كتاب الوحي المحمدي الذي شهد له من قرأه من طبقات الناس المختلفة بطلاوة عبارته وحسن بيانه ، وموافقة أسلوبه وترتيبه وتبويبه لذوق هذا العصر ، ثم سأله بعد أيام كيف رآه ، ظانا أنه قرأه كله بشغف وأنه سيشكر له هديته ؟ فقال:إنني لم أستطع أن أقرأ منه صفحة واحدة ، واعترف بأنه يقرأ كتب أشهر الملاحدة الطاعنين في القرآن بلذة ورغبة كما يقرأ القصص [ الروايات] الغرامية ! ! !