تكرار قصة آدم وإبليس للعظة والاعتبار
وتبقى قصة آدم وإبليس ،هي القصة التي يُراد لها أن توحي للإنسان بالحذر انطلاقاً من الخط الذي تحرك في بداية الخليقة ،وبدأ بحالة الكبرياء الذاتية العنصرية ،التي دفعت إبليس إلى الامتناع عن السجود لآدم كما أمره الله ،وإلى التخطيط لإضلال بنيه في المستقبل ليخرجهم من الجنة ،كما كان أبوهم سبباً لإخراجه من رحمة الله ،في ما تحركت به النوازع إلى هذا المصير .
وهذا ما يريد الله للإنسان أن يعيشه في مواجهة الشيطان ،كحقيقة ثابتة تفرض نفسها عليه في عملية إغواء وإضلال ،ولكنها لا تستطيع أن تشلّه وتجمّده ،لأنه يملك العقل الذي يحدّد له مواقع الخير والشر ،كما يملك الوحي الذي يقوده إلى تفاصيل الواقع ويحذّره من نتائجها السلبية بطريقة حاسمة .
وتبقى القصة المتكررة في القرآن ،أسلوباً لا يريد أن يكرر الواقعة كخبرٍ للمعرفة ،بل يريد أن يحركها في كل موقع للفكر ،وللعظة ،وللاعتبار .
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ} تحيةً له وتكريماً لمقامه ،أو خضوعاً لله الذي خلقه في أحسن الخلق وأروعه ،{فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ} لم يسجد ،لأنه كان يعيش في داخل نفسه عدم التوازن بين حس الكرامة في الذات وحس العبودية لله ،فلم يعرف أن المخلوق لا يملك أيّة إرادة أمام الله ،فلا بد له من أن يعيش الاستسلام المطلق لذاته المقدّسة ،وأن كرامته مستمدّة من طاعته لله ،لا من استسلامه لنوازعه الذاتية ،وأن الله هو الذي يحدّد للخلق مكانتهم من خلال اطّلاعه على عمق السرّ الذي يتمثل في وجودهم ،بعيداً عن كل الأوضاع الظاهرة التي تميز مخلوقاً عن آخر ،بغض النظر عن المعاني الخفيّة الكامنة في الداخل .وبذلك ضاع إبليس عن الطريق السويّ ،واختلطت المقاييس في ذهنه ،فانحرفت به عن خط الوضوح في الرؤية ،واستغرق في ذاته ،كما لو كانت تملك الأصالة الذاتية بعيداً عن كونها مخلوقةً لله .ولاحظ العنصر الذي وجد منه وهو النار ،والعنصر الذي صنع منه آدم وهو الطين ،ففضل عنصره من دون التفاتٍ إلى أن الذي أودع الخصائص في النار هو الذي أودع الخصائص في الطين ،وعرف سر الذات في كل منهما ،فهو الذي يحدد مواقع الفضل في هذا أو ذاك ،لا المخلوق الذي لا يملك من المعرفة إلا ما عرفه الله .
عقدة الانتقام
{قَالَ أَأسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} أي كيف أسجد لهذا المخلوق الذي لا يملك أيّ تفوّق عليّ في عنصره ،وهو الطين .وتعاظمت الكبرياء في ذاته ،وتحركت العقدة في نفسه ،وحاول أن ينفّس عن هذه الحالة النفسية المعقّدة ،بعد أن يحصل على الخلود في الأرض ،ما دامت الحياة فيها ،فأعلن خطته الشريرة في الانتقام من هذا المخلوق ،الذي سيكون له ولأولاده شأن في هذه الأرض ،وذلك بالانتقام من أولاده .