إبليس والكرامة الإنسانية
نبه سبحانه وتعالى إلى أصل الخلق والتكوين ، ونبه إلى أن أصل عداوة إبليس لآدم هو أنه يحسد آدم على ما أتاه الله تعالى من تكريم حرم إبليس وذريته منه ، فناصب آدم العداء لهذه الكرامة ، وحاول أن يفض{[1443]} فيها بالإغراء بالمعاصي ، وبذلك فهم أنه بمقتضى الفطرة أن الكرامة والمعصية نقيضان لا يجتمعان فيمن كان عاصيا يتفحش في المعاصي لا كرامة له ، وإن ظهر بين الناس متغطرسا طاغيا ، فإن الكرامة ليست هي السلطان ، إنما هي الحق ، فإن كان مع السلطان الحق توافرت الكرامة ، وإن خلا منها فهو المهين المتغطرس ، وهذا يشير إلى أن المشركين في إشراكهم لا كرامة لهم ، وإن تعصبوا وغلبت عليهم العنهجية الجاهلية .
ولذا قال تعالى:{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس} .
"الواو"لوصل الكلام ، إذ إنهم يتغطرسون ويطيعون الشيطان فيبين الله أنهم إذ يطيعونه يذهبون التكريم الذي كرمهم الله تعالى ، وينزلون برءوسهم وأجسامهم ، إلى كرامة أبيهم آدم ، و "إذ"متعلقة بمحذوف ، ويذكر الله تعالى أمره للملائكة بالسجود مضيفا الأمر إلى ذاته العلية بيانا لمركز آدم ، والله تعالى بذاته العلية وجه الأمر إلى الملائكة بالسجود ، وإن إبليس كان يدخل في عموم المخاطبين بهذا الأمر أكان من الملائكة أم كان من الجن ، كما صرح بأنه من الجن في آية أخرى ، إذ قال:{. . .إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه . . .( 50 )} [ الكهف] ، والسجود كان لآدم بوصف الآدمية ، فكأن الآدمية مكرمة لذاتها ، والمهانة تعتريها من العصية ،{ فسجدوا إلا إبليس} ، أي أطاعوا ، وخروا ساجدين إلا إبليس ، فقد تمرد ، وفسق عن أمر ربه ، وقال متمردا متعاليا من غير علو ، كشأن أتباعه{ أأسجد لمن خلقت طينا} الاستفهام هنا إنكاري بمعنى إنكار الوقوع أي النفي ، أي:لا أسجد ، معترضا على ربه ، كما قال سبحانه في آية أخرى:{ قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ( 76 )} [ ص] ، وقوله:{ أأسجد لمن خلقت طينا} ، أي لمن خلقته من طين ، ولكنه أتى بكلمة ( طينا ) على أنه حال ، أي:أأسجد لمن خلقته من طين ، ولكنه أتى بكلمة ( طينا ) على أنه حال ، أي:أأسجد لمن خلقته من طين ، أي أنه ينكر أن الله سواه ، وكأنه إلى وقت السجود كان طينا حتى إلى هذه الحال ، وكان هذا من مظاهر الاستكبار .