{فَفَسَقَ}: فخرج إلى حال تضرّ به .
عقدة ذاتيّة تاريخيّة
...وتبقى قصة إبليس في عقدته الذاتية من آدم ،تتحرك في أكثر من موقع قرآني ،لتثير أمام الإنسان الآدمي في نسبه ،امتداد هذه العقدة في حياة كل فرد من أفراده ،وفي كل جيل من أجياله ،لأن الخطة الإبليسية كانت تستهدف امتداد آدم في ذريته ،لا شخص آدم وحده .وهكذا جاءت الآية الكريمة لتذكّر الإنسان بانحرافه عن خط الحذر المصيريّ ،الذي يفرضه عليه وعيه الدقيق لما يجب أن يفهمه في علاقته بإبليس وذريته من حركة التاريخ الديني في بداية الخليقة ،في علاقة إبليس بأبيه ،وموقفه المتمرد على الله في التنفيس عن عقدته المتحركة في عمق الأنانية المتكبرة ،وما يمكن أن يؤثر ذلك على حركة الإنسان في الحياة تحت تأثير وسوسته وحيله وخديعته .
سجود الملائكة لآدم إلا إبليس
{وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآِدَمَ فَسَجَدُواْ} طاعةً لله ،وتعظيماً له في إبداع هذا المخلوق الفريد من نوعه ،وتحيةً لآدم في تكريم الله له في وجوده{إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} ولم يكن من الملائكة ،ولذلك كان يعيش قابلية الانحراف في ذاته ،من خلال العناصر المتنوعة الخاضعة لأكثر من نقطة ضعف ،ومنها عنصره الناريّ الذي كان يجد فيه لوناً من ألوان الامتياز عن الآخرين ،ولذلك كانت مسألة خلق آدم وتكريم الله بأمر الملائكة بالسجود له ،صدمةً عنيفةً موجهةً إلى كبريائه ،وتحقيراً للجانب العنصري في شخصيته ،فأبى أن يسجد له .{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} في حالة تمرّد وتحدٍّ ومواجهة لهذا المخلوق الجديد ،وأعلن عزمه على إضلال ذريته حتى لا يحصلوا على كرامة الله لهم في رضاه عنهم ،ورحمته لهم ،وإدخالهم الجنة التي وعد بها عباده المتقين ،لأنه لا يريد أن يتميزوا عنه وعن ذريته ،فيدخل هو النار بينما يدخلون الجنة .وإذا كان حظه هو هذا الحظ ،وعزمه هو هذا العزم ،فكيف يمكن لأبناء آدم أن يستسلموا له أو يخلصوا لعلاقتهم به ،أو ينفتحوا عليه من موقع الثقة به ...إن ذلك يمثل منتهى الجهل ،وغاية السذاجة ،{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي} ؟تمحضونهم المودّة ،وتعطونهم الثقة ،وتنتمون لأوضاعهم ،وتنفذون خططهم الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية من خلال ما يوحون به إليكم من أفكار وآراء ومشاعر ،{وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} لأنهم يضمرون لكم المكر الحاقد الذي يؤدي بكم إلى خسارة الدنيا والآخرة من أكثر من وجه .
بئس البديل الشيطان
{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} حيث يظلم هؤلاء الذين يتبعون إبليس وذريته أنفسهم ،فيتخذونهم أولياء ،وينكرون ولاية الله الذي خلقهم وأسبغ عليهم نعمه ظاهرةً وباطنةً ،ودعاهم إلى السير في طريق الهدى الذي يؤدي إلى الجنة التي وعد بها عباده المتقين .وأيّ معاملة أكثر سوءاً من معاملة يُستبدل فيها الله بالشيطان ؟!
ثم ماذا هناك ؟وماذا يملك هؤلاء الشركاء الذين أطاعوهم وعصوني ،واتّبعوهم وتركوني ،وأحبُّوهم وأبغضوني ؟وما خصائصهم الذاتية والنوعية التي يتميزون بها ،ليكونوا أرفع درجةً من بقية الناس ،بحيث يمكن لهم أن يحملوا بعضاً من أسرار الألوهية في ذلك ،ليرتفعوا إلى درجة الشرك بالله ؟!إنهم لا يملكون أي شيء من ذلك ،بل هم مثل الناس الآخرين في ملامحهم الشخصية ،وعناصرهم النوعية .