{وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ} فليست هناك مراكز قوى تفرض نفسها على الله من موقع القوّة الذاتية التي تترك تأثيراتها على قراره ،فيمن يعطيه أو فيمن يمنعه ،لتكون هناك نقاط ضعفٍ في قدرته أو في عظمته الإلهية ،ليحتاج الناس إلى التوسل إليه بالشفعاء حتى يصلوا من خلالهم إلى مواقع رحمته ورضاه ،وليتعبدوا لهم للحصول على رضاهم الذي يؤدي للحصول على رضاه .فليس هناك أحدٌ أقرب إليه من أحد من حيث الذات ،فهو الذي يقرّب بعض الناس إليه ،ويمنحهم درجة القرب إليه من خلال أعمالهم ،ويبقيهم في دائرة الخضوع له المنتظرين لإذنه في كل ما يفعلون أو يتركون ،فيعرفون أنهم لا يملكون الشفاعة أمامه لأيِّ شخص لأنهم لا يملكون معه أيّ شيء ،{إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} في ذلك ،فأراد تكريمه بالشفاعة لبعض الخاطئين الذين يريد أن يغفر لهم ،بحيث تكون الشفاعة وظيفةً إلهيةً محدّدة الموقع معيَّنة الشخص والدور ،من دون زيادة ولا نقصان .وفي ضوء ذلك ،نفهم أن الشفاعة ليست حالةً ذاتيةً للشفعاء لدى الله ،بل هي مهمّةٌ محدّدةٌ في دائرة المهمات التي قد يوكلها إلى بعض عباده لمصلحةٍ يراها ،في وقتٍ محدود ،ودور خاصٍ ،ما يفرض على المؤمنين عدم الاستغراق في ذات النبي أو الولي طلباً للشفاعة ،بل في توجيه الخطاب لله أن يمنحه الشفاعة من خلالهما .
{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} أي إذا ذهب الفزع عن قلوبهم ،والظاهر أن الضمير يعود إلى المشركين الذين يواجهون الموقف الصعب يوم القيامة ،فلا يجدون ناصراً ولا معيناً ،ويعرفون أنه لا مجال للهرب ولا للنجاة ،فيعيشون في أجواء الفزع التي لا يملكونمعهاأن يفكروا بهدوء ،أو يجيبوا عن أي سؤال ،لأن الفزع يعطّل تفكيرهم عن الحركة ،فإذا ذهب الفزع ملكوا فكرهم وأمكنهم أن يواجهوا السؤال بهدوء{قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} وهو سؤال توجهه الملائكة إليهم ،أي كيف رأيتم طبيعة وحي الله الذي بلَّغكم به الأنبياء في حديثهم عن اليوم الآخر ،وعن الحساب الذي ينتظركم فيه ؟هل ترونه حقاً ،كما تشاهدونه الآن ،أو تجدونه باطلاً كما كنتم تزعمون في الدنيا ؟{قَالُواْ الْحَقَّ} فليس هناك أيُّ باطلٍ في ما جاءت به الرسل ،وها نحن نراه بكل تفاصيله ،في هذا اليوم ،فنجد أن الله وحده هو الحق ،وأن ما كنا ندعو إليه هو الباطل ،{وَهُوَ الْعَلِيُّ} في سموّ عظمته ،وفي سعة قدرته .