وللإجابة على هذا التساؤل تقول الآية التي بعدها: لو كان هناك شفعاء لدى الله تعالى فانّهم لا يشفعون إلاّ بإذنه وأمره ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلاّ لمن أذن له ) .
وعليه فإنّ العذر الذي يتعلّل به الوثنيون بقولهم: ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ){[3496]} ،ينتهي بهذا الجواب ،وهو أنّ الله سبحانه وتعالى ،لم يجز شفاعتها أبداً .
أمّا جملة ( إلاّ لمن أذن له ) فهي إشارة إلى الشافعين أو إلى المشفوع لهم .احتمل المفسّرون الإحتمالين ،وإن كان يناسب ما ورد في الآية السابقة من الحديث حول الأصنام واُولئك الذين توهّموا أنّها شفعاؤهم ،أن تكون الإشارة إلى «الشافعين » .
ثمّ هل أنّ المقصود من «الشفاعة » هنا شفاعة الدنيا ،أم الآخرة ؟كلاّ الإحتمالين واردان ،ولكن الجملة التي تلي ذلك تدلّل على أنّ المقصود هو شفاعة الآخرة .
لذا تقول العبارة بعدها بأنّه في ذلك اليوم تهيمن الوحشة والإضطراب على القلوب ،ويستولي القلق على الشافعين والمشفوع لهم بإنتظار أن يروا لمن يأمر الله بجواز الشفاعة ؟وعلى من ستجوز تلك الشفاعة ؟وتستمر حالة القلق والإضطراب ،حتّى حين ..فيزول ذلك الفزع والإضطراب عن القلوب بصدور الأمر الإلهي .( حتّى إذا فزّع عن قلوبهم ){[3497]} .
على كلّ حال فذلك يوم الفزع ،وعيون الذين يطمعون بالشفاعة تعلّقت بالشفعاء ،ملتمسة منهم الشفاعة بلسان الحال أو بالقول .ولكن الشفعاء أيضاً ينتظرون أمر الله ،كيف ؟ولمن سيجيز الشفاعة ؟ويبقى ذلك الفزع وذلك الإضطراب عاماً ،إلى أن يصدر عن الحكيم المتعالي أمره بخصوص المتأهّلين للشفاعة .
هنا وحينما يتواجه الفريقان ويتساءلان ،( أو أنّ المذنبين يسألون الشافعين ) ( قالوا: ماذا قال ربّكم ) فيجيبونهم: ( قالوا: الحقّ ) ،وما الحقّ إلاّ جواز الشفاعة لمن لم يقطعوا ارتباطهم تماماً مع الله ،لا للذين قطعوا كلّ حلقات الارتباط ،وأضحوا غرباء عن لله ورسوله وأحبّائه .
وتضيف الآية في الختام ( وهو العلي الكبير ) وهذه العبارة متمّمة لما قاله «الشفعاء » ،حيث يقولون: لأنّ الله عليٌّ وكبير فأي أمر يصدره هو عين الحقّ ،وكلّ حقّ ينطبق مع أوامره .
ما عرضناه هو أقرب تفسير يتساوق وينسجم مع تعابير الآية ،وللمفسّرين بهذا الخصوص تفسيرات اُخرى ،والعجيب أنّ بعضها لم يأخذ بنظر الإعتبار الترابط بين صدر الآية وذيلها وما قبلها وما بعدها .
في الآية التالية يلج القرآن الكريم طريقاً آخر لإبطال عقائد المشركين ،ويجعل مسألة «الرازقية » عنواناً بعد طرحه لمسألة «الخالقية » التي مرّت معنا في الآيات السابقة .وهذا الدليلأيضاًيطرحه القرآن بصيغة السؤال والجواب من أجل إيقاظ وجدان هؤلاء والفاتهم إلى إشتباههم من خلال تثوير الجواب في ذواتهم .
/خ27