{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} فلا يعيش ضيق الصدر وتعقيد الفكر عندما تطرح عليه مفاهيم الإسلام في العقيدة والمنهج والشريعة والحياة ،بل ينظر إليها نظرةً واعيةً ذات أفقٍ رحب ،مفكراً فيها بعقله ،ومنفتحاً عليها في عمق شعوره ،حتى يراها بوضوحٍ وعمقٍ وصفاءٍ ،فيقتنع بها إيماناً بالحق الكامن فيها ،وبالنور المنطلق منها الذي يشرق من فيض الله عليه من نوره الذي أشرقت به القلوب وانفتحت به العقول ...وليس معنى ذلك أن الإنسان المؤمن الذي يعيش انشراح الصدر للإسلام من نور الله ،لا يملك اختياراً في إيمانه ونظرته إلى العقيدة ،بل معناه أنه يعيش حالة الهدى الذي فتح الله أبوابه للناس كافَّةً ليأخذوا به في مواطن وعيهم ،ومواقع المعرفة في حياتهم ،فيأخذ به في حركة العقل في ذاته ،ونهج المعرفة في حياته ،بينما يمتنع الآخرون عن الانفتاح عليه من حالة التمرد والعناد .
وينطلق التساؤل هنا في هؤلاء المنفتحين بقلوبهم على الله ،ليثير النموذج الثاني ،وهم القاسية قلوبهم التي تنغلق على الضلال ولا تنفتح على الهدى ،لأنها تعيش قساوة الشعور وظلام الفكر الذي لا يقرّبها من الحقيقة ،ولا يوحي إليها بالإيمان ،فتكفر من موقع العقدة ،وتضيع في متاهات الظلام .ولعل التعبير الآتي بالقاسية قلوبهم ،يوحي بأن مسألة الإيمان تحتاج إلى الجانب الشعوري في رقة القلب بالإضافة إلى إشراقة العقل ،وهكذا يريد الله الإيحاء بأن هذين النموذجين لا يستويان .
{فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ اللَّهِ} فلا يتذكرونه في حياتهم الروحية والعقلية والعملية ،ليعيشوا خشوع الإيمان ،وابتهال العبادة ،وروحانية الروح ،بل يستمرون في ظلمات الغفلة ،ويتخبطون في أوحال الكفر والضلال ،{أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِين} فلا يقفون عند علامات الطريق إلى الله ،ولا يهتدون إلى النور المشرق بالحق من رحمة الله ورضوانه .