المفردات:
شرح الله صدره للإسلام: وسع صدره للإسلام حتى فرح به واطمأن إليه .
فهو على نور: بصيرة وهدى ومعرفة بالله وشرائعه .
ويل: عذاب .
للقاسية قلوبهم: قلب قاس ،أي صلب لا يرق ولا يلين .
من ذكر الله: من قبول القرآن ،فلم تؤمن به ولم تعمل بما فيه .
التفسير:
22-{أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربّه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين} .
دلّت الآية السابقة على بديع القدرة في إنزال الماء ،منه ما يكون أنهارا تجري ،كالنيل والفرات ودجلة ،ومنه ما ينزل في الأرض فيكون وسيلة لتكوين الينابيع ،وسقي الزرع والنبات المختلف الألوان والأنواع ،الذي يعيش فترة أخضر يانعا ،ثم يذبل ويصفرّ ويكون حطاما ،والقلوب المتفتحة هي التي تتأثر بيد القدرة الإلهية ،وتشاهد هذه القدرة في كل مظاهر الحياة والنماء ،في بسمة الوليد وانفلاق الصباح وسطوع الشمس ،وحركة الظلام وتحرك النبات ،ونمو الإنسان من ضعف إلى قوة ثم وصوله إلى المشيب والموت .
وفي هذه الآية نجد أيضا أن من الناس من حلّت فيه بركة الله وهدايته ،فشرح صدره للإسلام ،وأنار قلبه بالقرآن والسنّة المطهرة والموعظة الحسنة ،فترى قلبه حيا بذكر الله ومراقبته وخشيته ،فهو على نور وهداية من الله تعالى .
وجواب الاستفهام محذوف دل عليه السياق ،والتقدير: أفمن شرح الله صدره للإسلام فاهتدى به ،كم ضاق صدره وامتنع عن الإسلام ؟
أي: هل يستوي المؤمن والكافر ؟أو هل يستوي الأحياء والأموات ؟
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى:{وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات والنور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور} .( فاطر: 19 ، 22 )
{فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ...}
العذاب الشديد لأصحاب القلوب الصماء القاسية كالصخر ،التي لا تلين لذكر الله ،ولا تتسع لسماع القرآن ،ولا لنداء الرحمان ،بل يزيدها سماع القرآن إعراضا وبعدا وكرها وكفرا .
وبعض المفسرين قال: إن ،{من ذكر الله} .معناها: عن ذكر الله ،فهي قلوب غافلة عن القرآن والإيمان ،وأسباب الهداية والتوفيق ،لأنها قاسية صلبة لا تلين لذكر الله .
{أولئك في ضلال مبين} .
أي: إن هؤلاء الكافرين الضالين فقد غلبهم الضلال واستهواهم الكفر ،واستحوذ عليهم الشيطان ،فهم في ضلال واضح ،وعمى عن الحق والنور والهدى .
قال تعالى:{أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناسكمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ...} ( الأنعام: 122 )
قال ابن عباس: من شرح الله صدره للإسلام أبو بكر رضي الله عنه .
وأخرج ابن مردويه ،عن ابن مسعود قال: قلنا: يا رسول الله ،قوله تعالى:{أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ...} كيف انشرح صدره ؟:"إذا دخل النور القلب انشرح وانفتح"،قلنا: يا رسول الله ،وما علامة ذلك ؟قال:"الإنابة إلى دار الخلود ،والتجافي عن دار الغرور ،والاستعداد للموت قبل نزول الموت"{[591]} .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ،عن ابن عمر ،أن رجلا قال: يا رسول الله ،أي المؤمنين أكيس ؟قال:"أكثرهم للموت ذكرا ،وأحسنهم له استعدادا ،وإذا دخل النور من القلب انفسح واستوسع".
قالوا: فما آية ذلك يا نبي الله ؟قال:"الإنابة إلى دار الخلود ،والتجافي عن دار الغرور ،والاستعداد للموت قبل نزول الموت".
وعن أبي سعيد الخدري ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"قال الله تعالى: اطلبوا الحوائج من السُّمحاء ،فإني جعلت فيهم رحمتي ،ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم ،فإني جعلت فيها سخطي"{[592]} .
وقال مالك بن دينار:
ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب ،وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم .