أكل أموال اليتامى ظلماً
في الآية الأولى توجيهٌ للأولياء أو الورثة في الحالة التي يجلسون فيها لتقسيم التركة ،ويحضر معهم الفقراء من أولي القربى واليتامى والمساكين ،بأن يمنحوهم من التركة شيئاً لما في ذلك من مواجهةٍ لحاجاتهم وتثبيتٍ لقلوبهم ،وأن لا يسيئوا إلى كرامتهم بل يقابلوهم بالكلمات الطيبة والقول المعروف الذي يريد الإسلام للمسلم أن يفتح به قلب الإنسان المحروم ،ويبعث في نفسه الشعور بالثقة والكرامة .
وقد اختلف المفسرون في أن الآية محكمة أو منسوخة بآية المواريث ،ولكن الرأي الأرجح هو أنها محكمة لاختلاف الموضوع في الآيتين مما لا يدع مجالاً لفكرة النسخ ،فإن هذه الآية ظاهرةٌ في إعطاء هذه الفئات من التركة من قبل أصحابها الورثة ،وليست واردة في منحهم ذلك على أساس أنهم أصحاب حق أصيل ،واختلفوا أيضاً في أن الأمر على سبيل الوجوب أو الندب ،ولكن الظاهر هو الثاني من خلال سياق الفقرة الأخيرة من الآية .
{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} أي قسمة التركة في حالة التوزيع على الورثة{أُوْلُواْ الْقُرْبَى} ممن لا نصيب لهم في الإرث وهم أقرباؤه الفقراء ،بقرينة ذكرهم في سياق اليتامى والمساكين ،{وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} أي يتاماهم ومساكينهم الذين يأملون في اجتماعهم حول الورثة منحهم شيئاً من التركة بنحو الإحسان ،{فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ} أي من المال الموروث .
وقد اختلف الرأي في المخاطبين بهذا الأمر ،فقيل: إن المخاطبين بذلك هم الورثة الذين يريد الله منهم أن يرزقوا هؤلاء الفقراء من الأقرباء واليتامى والمساكين شيئاً من نصيبهم صدقةً وإحساناً .وقيل إن المخاطبين الناس الذين تحضرهم الوفاة فيجتمع حولهم هؤلاء ممن لا نصيب لهم في الميراث ليوصوا لهم بشيء من التركة ،فأراد الله لهم منهم القيام بالإيصاء إليهم ،والظاهر أن الوجه الأول أقرب للسياق لأن الحديث يتركز في حالة حضورهم قسمة التركة .وهذا مما لا يتناسب مع الوجه الثاني لأن حالة الاحتضار ليست حالة القسمة ،حتى لو كان الميت يريد الوصية لبعض الناس ،فهو لا ينطبق عليه عنوان القسمة الواردة في حالة الشركة الحاصلة بعد الموت من خلال الإرث .{وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} وذلك بالكلمة الطيبة التي لا ترهق كرامتهم ولا تسيء إلى إنسانيتهم لأن الله لا يريد للناس الإساءة إلى هذه الفئات المحرومة بالقول وبالعمل .