التّفسير:
حكم أخلاقي:
نزلت الآية الحاضرة بعد قانون تقسيم الإِرث حتماً إِذ تقول: ( وإِذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ) .
وعلى هذا الأساس يتضمّن محتوى هذه الآية حكماً أخلاقياً إِستحبابياً في شأن طبقات محجوبة عن الإِرث بسبب وجود طبقات أقرب منها إِلى المورث ،فالآية تقول: إِذا حضر مجلس تقسيم الإِرث جماعة من الأقرباء من الطبقة الثانية والثالثة ،وكذا بعض اليتامى والمساكين فارزقوهم من الإِرث ،وبهذا تكونون قد منعتم من تحرك شعور الحسد والبغضاء لدى من يمكن أن يثور لديهم ذلك الشعور بسبب حرمانهم من الإِرث ،ولا شك أنّ هذا العمل من شأنه أن يقوي أواصر القرابة الإِنسانية بينكم .
إِنّ كلمتي «اليتامى » و«المساكين » وإِن ذكرتا بنحو مطلق في هذه الآية ،غير أن الظاهر هو أنّ المراد منهما هم اليتامى والمساكين من قربى الميت ،لأنّ الأقرب يحجبفي قانون الإِرثالأبعد من الإِرث ،وعلى هذا فلو حضر أحد من هذه الطبقات قسمة الميراث فإِنّه ينبغي أن يعطي الورثة له شيئاً من الميراث هدية ( يتوقف مقدارها على إِرادة الوارث على أن يكون ذلك من مال الورثة الكبار دون الصغار ) .
هذا ويحتمل جماعة من المفسرين أن يكون المراد من اليتامى والمساكين في هذه الآية هو مطلق اليتامى والمساكين سواءاً كانوا من قرابة الميت أم لا ،ولكن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في النظر ،لأن الأجانب ليس لهم طريق إِلى المجالس العائلية غالباً .
كما أنّه يعتقد بعض المفسّرين أن الآية تتضمن حكماً وجوبياً لا إِستحبابياً ،بيد أن هذا الأمر فيها على نحو الوجوب ،وجب تعيين وتحديد ما يلزم إعطاؤه لهاتين الطائفتين ،في حين ترك الأمر فيه إِلى إِرادة الورثة .
ثمّ أنّه سبحانه يختم هذه الآية بدستور أخلاقي إِذ يقول: ( وقولوا لهم قولا معروفاً ) يعني أنّه مضافاً إِلى تقديم مساعدة مادية إِلى هؤلاء أشفعوا ذلك بموقف أخلاقي واستفيدوا من المعين الإِنساني لكسب مودّتهم ،وحتى لا يبقى في قلوبهم أي شعور عدائي تجاهكم ،وهذا الدستور علامة أُخرى ودليل آخر على أن الأمر بإِعطاء شيء من الميراث إِلى اليتامى والمساكين إِنما هو على نحو الندب لا الوجوب .
من كل ما ذكرناه اتضح أنّه لا مبرر أبداً لأن يقال أن الحكم المذكور في هذه الآية منسوخ بالآيات التي تعين السهام في الإِرث ،لعدم وجود أية منافاة وتعارض بين هذه الآية وتلك الآيات المحددة للأسهم .
/خ11