{رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ...} .
نلمح هنا عبادة إبراهيم الرحمان ،وتقربه من ربه بالدعاء ،والحب ،والذكر ،والتبتيل ،{إن إبراهيم لأوّاه حليم} ( التوبة:114 ) ،فهو دائم الرجوع إلى الله والتضرع إليه مع الحلم والأناة ،وفي هذه الآية يدعو ربه قائلا:
{رب اجعلني مقيم الصلاة} .وفقني لأداء الصلاة في أوقاتها ،والمحافظة على خشوعها و خضوعها وإقامة أركانها ؛فهي وسيلة المناداة والمناجاة ،وسبيل الإيمان وذكر الرحمان ،وهي تغسل النفس من الداخل بالتوبة والذكر والطهارة ،ولذلك كانت وسيلة إلى البعد عن الفحشاء والمنكر ؛لأن من عرف ربه وناجاه في صلاته ؛سكب الله في قلبه التقوى ،ورزقه الاستقامة على المأمورات واجتناب المنهيات .
وقد كان إبراهيم أمة في رجل ؛فهو أبو الأنبياء ،وقد امتدت دعوته إلى الصالحين من ذريته ،فقال:
{ومن ذريتي} .أي: واجعل من ذريتي من يقيم الصلاة ،وقد وصف الله عباد الرحمان بقوله:{والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}( الفرقان:74 ) .
وقد خص إبراهيم بعض ذريته بالدعاء ،فقال:{ومن ذريتي} .أي: وبعض ذريتي ؛لأنه علم من استقرائه عادة الله في الأمم السابقة ،أن يكون في ذريته من لا يقيم الصلاة .
انظر إلى قوله تعالى:{ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} . ( البقرة:128 ) .
إن عدالة الله تأبى أن تحابي نبيا أو رسولا ،وإنما يكافئ المحسن أيا كان موقعه أو نسبه ،ويعاقب المسيء مهما كانت قرابته أو نسبته ،{ولا يظلم ربك أحدا} . ( الكهف:49 ) .
{ربنا وتقبل دعاء} .أي: يا رب تقبل دعائي ،وأجب دعائي وتبتلي ،أو تقبل عبادتي ،أو هما معا ،تقبل دعائي حين أدعوك ،وعبادتي حين أعبدك ،وارزقني الإخلاص والقبول والتوفيق .