المفردات:
تتبيرا:{[339]} مصدر تبر تتبيرا ،والتتبير: الإهلاك ،وهي كلمة نبطية كما روي عن سعيد بن جبير وكل شيء كسرته وفتّته فقد تبرته ،وليتبروا ما علوا تتبيرا وليدمروا ويخربوا ما غلبوا عليه وظفروا به تدميرا شديدا{[340]} .
التفسير:
7-{إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ...} الآية .
أي: إن أحسنتم فأطعتم الله ولزمتم أمره أحسنتم لأنفسكم ؛لأنكم تنفعونها بذلك في دنياها وآخرتها .
فقد جعل الله الجزاء الحق من جنس العمل ووعد المؤمنين العاملين بالنصر والتأييد ،كما وعد المفسدين بالعقاب والتأديب .
تلك قاعدة لا تتغير في الدنيا وفي الآخرة ،وهي تجعل عمل الإنسان كله له بكل ثماره ونتائجه ،وتجعل الجزاء ثمرة طبيعية للعمل ،منه تنتج وبه تتكيف ،وتجعل الإنسان مسئولا عن نفسه إن شاء أحسن إليها وإن شاء أساء لا يلومنّ إلا نفسه حين يحق عليه الجزاء .
فإذا تقررت هذه القاعدة ،مضى السياق يكلم النبوءة الصادقة .
{فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوههم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا} .
لقد فهم اليهود من السياق: أن اليهود أفسدوا مرتين فسلط الله عليهم في المرة الأولى من انتقم منهم ،ثم أعاد لليهود دولتهم وملكهم ولم يذكر هنا ما صنع اليهود بعد أن رد الله لهم الكرة على أعدائهم اكتفاء بما علم من طبعهم أنهم كلما استعلوا في الأرض بغوا وأفسدوا ،وبما ذكره القرآن من قبل:{لتفسدون في الأرض مرتين} ،ثم أثبت ما يسلكه الله عليهم في المرة الآخرة فقال:
{فإذا جاء وعد الآخرة{[341]} ليسوءوا وجوههم} .
أي: فإذا جاء وقت عقوبتكم- يا بني إسرائيل- على المرة الآخرة من مرتي إفسادكم في الأرض بعثنا أعداءكم ؛ليجدوا آثار المساءة بادية في وجوهكم بما يرتكبونه معكم من نكال يملأ النفوس بالإساءة حتى تفيض على الوجوه ،أو ما يجبهون به وجوهكم من مساءة وإذلال .ويستبيحون المقدسات ويستهينون بها: وليدخلوا المسجد .قاهرين فاتحين مذلين لكم ،كما دخلوه أول مرة ؛وليهلكوا ما ادخرتموه تتبيرا شديدا فلا يبقون منه شيئا .
وهي صورة للدمار الشامل الكامل الذي يطغى على شيء .
قال الإمام الرازي:
وإنما عزا- سبحانه- الإساءة إلى الوجوه ؛لأن آثار الأحوال النفسية الحاصلة في القلب ،إنما تظهر على الوجه ،فإن حصل الفرح في القلب ظهرت النضرة والإشراق والأسفار في الوجه ،وإن حصل الحزن والخوف في القلب ؛ظهر الكلوح والغبرة والسواد في الوجه ،فلهذا السبب عزيت الإساءة إلى الوجوه في هذه الآية ،ونظير هذا المعنى في القرآن كثير ،ومنه قوله تعالى:{فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا{[342]} .( الملك: 27 ) .1 ه .
/خ8