الرشوة
{ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون( 188 )}
المفردات:
المراد بالأكل: المراد به مطلق الأخذ والاستيلاء ،وعبر عنه بالأكل ،لأن الأكل أهم وسائل الحياة وفيه تصرف الأموال غالبا .
الباطل: في اللغة الزائل الذاهب ،ويقال: بطا الأجير بطالة إذا تعطل واتبع اللهو ،والمراد به هنا ،كل ما لم يبح الشرع أخذه م المال وإن طابت به النفس كالربا والميسر وثمن الخمر والرشوة وشهادة الزور والسرقة و الغصب ونحو ذلك مما حرمه تعالى .
والإدلاء: إلقاء الدلو لإخراج الماء ،ويراد به إلقاء المال إلى الحكام لإخراج الحكم للملقى ،وقوله بها أي الأموال .
الفريق: الفريق من الشيء ،الجملة والطائفة منه .
الإثم: هو شهادة الزور أو اليمين الفاجرة أو كل فعل يستحق صاحبه الذم والعقاب ،وجمعه آثام .
التفسير:
{ولا تأكلون أموالكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} .
لا يأكل بعضكم مال بعض ،وسماه ماله إشعارا بوحدة الأمة وتكافلها ،وتنبيها إلى أن احترام مال غيرك وحفظه هو عين الاحترام والحفظ لمالك أنت .
واستحلال الإنسان لمال غيره يجرئ على استحلال أكل ماله إذا كان في طاقته ،وإذا فشا هذا الخلق في أمة من الأمم أدى بها إلى الضعف والتعادي والتباغض .
والباطل كلمة معروفة المعنى عند الناس بوجوهها الكثيرة ،ويدخل فيها الربا والرشوة والغضب والاحتيال والغش والتدليس وكل كذب وسوء .
الخلاصة:
والخلاصة: أنه ينبغي للإنسان أن يطلب الكسب من الطرق المشروعة التي لا تضر أحدا .
وتدلوا بها إلى الحكام: أي ولا تلقوا بأموالكم إلى الحكام رشوة لهم .
لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم لا تعلمون:
أي لتأخذوا بعضا من أموال غيركم بواسطة يمين فاجرة أو شهادة زور أو نحو ذلك مما تتبثون به أنكم على حق فيما تدعون ،وأنتم تعلمون أنكم على الباطل .
وهذه الآية الكريمة أصل من الأصول التي يقوم عليها إصلاح المعاملات ،وقد أخذ العلماء منها حرمة أكل أموال الناس بالباطل وحرمة إنشاء الحكام ليقضوا للراشي بمال غيره .
روى الترمذي عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لعن الله الراشي والمرتشي والرائش"( 79 ) وهو الواسطة الذي يمشي بينهما .
قال القرطبي:"من أخذ مال غيره لا على وجه إذن الشرع فقد أكله بالباطل أن يقضي القاضي لك وأنت تعلم أنك مبطل ،فالحرام لا يصير حلالا بقضاء القاضي لأنه يقضي بالظاهر"( 80 ) .
وقد ورد في الصحيحين عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا إنما أنا بشر ،وإنما يأتيني الخصم ،فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له ،فمن قضيت له بحق مسلم فإنما قطعة من نار فليحملها أو ليذرها"( 81 ) .
"فدلت هذه الآية الكريمة ،وهذا الحديث على أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر فلا يحل غي نفس الأمر حراما وهو حرام .ولا يحرم حلالا وهو حلال ،وإنما هو ملزم في الظاهر فإن طابق ما في نفس الأمر فذاك ،وإلا فللحكام أجره ،وعلى المحتال وزره ،ولهذا قال تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون .أي تعلمون بطلان ما تدعون وترجون في كلامكم ،قال قتادة: اعلم يا ابن آدم ،أن قضاء القاضي لا يحل لك حراما ،ولا يحق لك باطلا ،وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى ويشهد به الشهود ،والقاضي بشر يخطئ ويصيب ،واعلموا أن من قضى له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة ،فيقضي على المبطل للمحق بأجود ما قضى به للمبطل على المحق في الدنيا"( 82 ) .
* * *