{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ ( 67 ) وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 68 ) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ( 69 )}
التفسير:
67 - لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ...
منسكا: شريعة ومنهاجا ومتعبدا .
ناسكوه: عاملون به .
فلا ينازعنك: أي: لا ينبغي لهم أن ينازعوك ،في أمر الدين ،وهو نهي يراد به النفي ،أي: فلا يجوز لهم أن يخاصموك في أمر الإسلام أو يجادلوك في أوامره وتكاليفه ؛لأن أمر دينك أظهر من أن يقبل النزاع .
قيل: نزلت هذه الآية بسبب جدال الكفار في أمر الذبائح ،وهم كفار خزاعة ،قالوا للمسلمين: تأكلون ما ذبحتم ،ولا تأكلون ما ذبح الله من الميتة ؟أو ،ما لكم تأكلون ما قتلتم ،ولا تأكلون ما قتل الله ؟فكان ما قتل الله أحق أن تأكلوه ،مما قتلتم أنتم بسكاكينكم ،فنزلت الآية بسبب هذه المنازعةxlii .
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ .
لكل أمة من الأمم جعلنا شريعة ومنهاجا يتعبدون بهذه الشريعة ؛ويلتزمون بأحكامها ويتنسكون بتعاليمها ؛مع تناسب هذه التعاليم مع مقتضيات الزمان والمكان ،فقد أنزل الله التوراة على موسى بنحو من الشدة ،لعلاج التمسك بالمادة ،ثم أنزل الإنجيل متمما لحكم التوراة ،مع علاج الروح وإشاعة المحبة ،والعناية بجوهر الدين ،لا بمجرد المظاهر والشكليات والطقوس ،ثم أنزل القرآن حينما نضج العقل البشري ؛لإرساء معالم دستور الحق ،والجمع بين العناية بالمادة والروح ،والتركيز على معايير العلم ،واستخدام العقل ،فكان أول دين يضع أسس الحضارة الإنسانية الشاملة ،وكان تشريعه وسطا بين الشرائع ؛وكانت هذه الأديان صالحة للزمان الذي جاءت فيه .
فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ .
أي: إذا كان هذا هو شأن التدرج في الشرائع ؛فلا ينبغي لمعاصريك يا محمد أن ينازعوك في أمر الدين ،فلكل أمة شريعة خاصة ؛تناسب الزمان الذي جاءت فيه ،ثم جاء القرآن ناسخا لتلك الشرائع ؛ومهيمنا عليها ،يقر الصحيح ،وينبه إلى الزيف ،ويحذر من الباطل ،فلا ينبغي لهم منازعتك في أمور دينك ،والمراد: تهييج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،وتثبيته على الحق ،وعدم الالتفات إلى ما يثيره الآخرون ،من شبهات وتشكيك .
وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ .
أي: استمر في دعوتك إلى منهج الله ،وهو الإسلام ،فإن دينك هو الدين الحق ،وهو الهداية النافعة الناجحة الوسط ،والإسلام هو الصراط المستقيم ،والقرآن هو الركن الركين ،وتلك الدعوة الإسلامية هي الدعوة التي تناسب الزمان والمكان ،وهي دعوة وسط ؛تناسب حال الناس إلى يوم القيامة ،فقد علم الله أنها خاتمة الرسالات ؛فضمنها مقومات صلاحها وخلودها ،فهي شريعة خالدة ؛فيها اليسر ومراعاة المصلحة العامة ،ورفع الحرج عن الناس ،وإعمال العقل ،والدعوة إلى الاجتهاد والاستنباط ،والتفقه في أحكام الدين ،حتى يستنبط العلماء من روح هذا الدين ونظامه ،ما يناسب مستجدات الأمة إلى يوم القيامة .
آراء في الآية:
ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالآية: طريقة الذبح ،وأداء المناسك في موسم الحج ،والمكان الذي يذبحون فيه ذبائحهم .
قال الطبري:
واختلف أهل التأويل في معنى المنسك هنا ،فقيل: عيدا ،وقيل: إراقة الدم ...والصواب من القول في ذلك أن يقال: عنى بذلك إراقة الدم أيام النحر بمنى ،لأن المناسك التي كان المشركون جادلوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت إراقة الدم في هذه الأيام ،ولذلك قلنا: عنى بالمناسك في هذا الموضع الذبح .1 ه .
وعند التأمل ،تجد أن الآية تتحدث عن نظام ومنهج ،لكل أمة من الأمم ،كما أن للإسلام نظامه ومنهجه ،فلا ينبغي لليهود أو النصارى أو المشركين ،مجادلتك أو منازعتك ،وعليك يا محمد ،أن تسير في طريقك ،وأن تجتهد في الدعوة إلى دين الله وهو الإسلام ،فإنه خاتمة الرسالات ،وهو الدين الوسط والصراط المستقيم .