المفردات:
مرج: خلط ،ومنه قوله تعالى: فهم في أمر مريج [ ق:8] أي: مختلط ،ومنه قيل للمرعى: مرج: لاختلاط الدواب فيه بعضها ببعض ،ويطلق المرْج بمعنى الإرسال والتخلية .
فرات: مفرط العذوبة .
أجاج: شديد الملوحة .
برزخا: حاجزا .
حجرا محجورا: تنافرا شديدا ،فلا يبغي أحدهما على الآخر ،ولا يفسد الملح العذب .
التفسير:
53-{وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا} .
تعرض الآية مظهرا من مظاهر القدرة الإلهية ،فالله القدير خلط البحرين ومزجهما ،مع ما بينهما من التنافر والتضاد ،أحدهما حلو سائغ شرابه ،والثاني مالح شديد الملوحة ،وجعل بينهما حاجزا من قدرة الله ،لا يختلطان ولا يمتزجان ؛حتى لا يفسد أحدهما خصائص الآخر ،قال تعالى:{مرج البحرين يلتقيان*بينهما برزخ لا يبغيان*فبأي آلاء ربكما تكذبان*} [ الرحمان: 19-21] .
وقال تعالى:{أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون} [ النمل: 61] .
"ومن الفطرة التي فطرها الله تعالى أن مجاري الأنهار غالبا أعلى من سطح البحر ،ومن ثم فالنهر العذب هو الذي يصبّ في البحر المالح ،ولا يقع العكس إلا شذوذا ،وبهذا التقدير الدقيق ،لا يطغى البحر-وهو أضخم وأغزر- على النهر الذي منه الحياة للناس والأنعام والنبات ،ولا يكون هذا التقدير مصادفة عابرة ،وهو يطرد هذا الاطراد ،إنما يتم بإرادة الخالق الذي أنشأ هذا الكون لغاية تحققها نواميسه في دقة وإحكام ،وقد روعي في نواميس هذا الكون ألا تطغى مياه المحيطات الملحة ،لا على الأنهار ولا على اليابسة ،حتى في حالات المدّ والجزر التي تحدث من جاذبية القمر للماء الذي على سطح الأرض ويرتفع بها الماء ارتفاعا عظيما "20 .
ويقول صاحب كتاب [ العلم يدعو إلى الإيمان] يبعد القمر عنا مسافة مائتين وأربعين ألفا من الأميال ،ويذكرنا المدّ الذي يحدث مرتين تذكيرا لطيفا بوجود القمر ،والمدّ الذي يحدث بالمحيط قد يرتفع إلى ستين قدما في بعض الأماكن ،بل إن قشرة الأرض تنحني مرتين نحو الخارج مسافة عدة بوصات ،بسبب جاذبية القمر ،ويبدو لنا كل شيء منتظما لدرجة أننا لا ندرك القوة الهائلة التي ترفع مساحة المحيط كلها عدة أقدام ،وتنحني قشرة الأرض التي تبدو لنا صلبة للغاية ..
ولو اقترب القمر منا أكثر مما هو عليه لغرقت القشرة الأرضية ،وتعذرت الحياة على وجه الأرض .
ولكن اليد التي تدبّر هذا الكون ،مرجت البحرين ،وجعلت بينهما برزخا وحاجزا من طبيعتهما ،ومن طبيعة هذا الكون المتناسق ،الذي تجري مقاديره بيد الصانع المدبر الحكيم ،هذا الجري المقدّر المنسق المرسوم .
ومن ماء السماء ،وماء البحر والنهر ،إلى ماء النطفة التي تنشأ منها الحياة البشرية المباشرة .