{وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين ( 38 ) واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون( 39 ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين( 40 )وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون( 41 ) وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين( 42 ) ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر الناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون( 43 )}
المفردات:
الملأ: الأشراف وذوو الرأي .
من إله غيري: من رب يطاع ويذل ويعظم غيري .
هامان: أحد وزراء فرعون ،لعله وزير الصناعة ،أو العمل والعمال .
أوقد: أشعل النار على الطين شديدة قوية ،ليتحول إلى أجر ،فيكون أقوى في البناء .
صرحا: قصرا عاليا ،أو بناء شامخا .
التفسير:
38-{وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين} .
كان بيان موسى واضحا ،وشرحه لصفات الإله مقنعا ،لكن فرعون خشي من تأثير كلام موسى ومن إيمان السحرة ،وتحديهم لكل عذاب في سبيل الإيمان .
وتفيد الآية ما يأتي:
قال فرعون مخاطبا أشراف قومه: ليس في علمي أن هناك إلها آخر لكم غير الفرعون الملك ،وهذه بقية عقائد فاسدة ،ترى الملك إلها ،أو حاول فرعون أن يستخف بعقول قومه فأعلن ألوهيته ،وأنكر وجود أي إله آخر ،قال تعالى:{فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين} [ الزخرف: 54] .
ومبالغة في استخفافه بعقول قومه تظاهر بأنه يريد البحث عن إله موسى ،فطلب من هامان أن يوقد النار على الطوب اللين ،ليتحول إلى آجر ،فيكون أقوى في البناء ،ثم يبني هامان من هذا الآجر قصرا عاليا ،أو بناء شامخا ،متجها نحو السماء ،حتى يصعد عليه الفرعون باحثا عن إله موسى صوب السماء .
ثم قال فرعون:
{وإني لأظنه من الكاذبين}
أي: إني متيقن من كذب موسى ،لكني مبالغة في الإنصاف سأبحث عن إله موسى بنفسي ،وهي مبالغة في استخفافه بعقول المخاطبين ،وسير في طريق الكبرياء الكاذب ،والجبروت المفتعل ،وقريب من ذلك قوله تعالى:{فحشر فنادى*فقال أنا ربكم الأعلى} [ النازعات: 23 ،24] .
لقد جمع قومه ونادى فيهم بصوته العالي مصرحا بأنه الرب الأعلى ،فأجابوه سامعين مطيعين ،ولهذا انتقم الله تعالى منه فجعله عبرة لغيره في الدنيا والآخرةxiv ،وقد جاء هذا المعنى في قوله تعالى:{وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب* أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا ..} [ غافر: 36 ،37] .