المفردات:
استقم: اثبت على الدعاء كما أوحى إليك .
أهواءهم: ميولهم الفاسدة .
من كتاب: صدّقت بجميع الكتب المنزلة .
لا حجة بيننا وبينكم: لا محاجة ولا خصومة .
التفسير:
15-{فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ولا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير} .
قال ابن كثير:
اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات ،كل منها منفصلة عن التي قبلها ،قالوا: ولا نظير لها سوى آية الكرسي ،فإنها أيضا عشرة فصول كهذه .اه .
لقد بينت الآيات السابقة اختلاف أهل الكتاب وتفرقهم وشكهم المريب في بقايا الكتب المنزلة .
وتأتي هذه الآية لتوضح للنبي الأمي أن الله قد اختاره على فترة من الرسل ليحمل للبشرية دعوته الجديدة مشتملة على أصول الإيمان والإصلاح واليسر والعدل والإحسان .
{فلذلك فادع واستقم كما أمرت ...}
من أجل تفرق أهل الكاتب أو المشركين أمرناك أن تدعو الناس إلى الديانة الجديدة – وهي الإسلام – مستقيما على الجادة كما أمرك الله تعالى .
{ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ...} وهذه الديانة الجديدة تستعلي على أهواء الحاسدين ،إنها تؤمن بالكتب السابقة وبالرسل السابقين ،وهذه الديانة الجديدة مهيمنة على الرسالات السابقة ،والقرآن مهيمن على التوراة والإنجيل ،يوضح ما فيهما من حق ،ويرشد إلى الدخيل عليهما ،ويلاحظ أن السورة مكية ،وهذه الآية تفيد عالمية الدعوة الإسلامية ،وهيمنتها وعدالة أحكامها .
{وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم ...}
إذا احتكمتم إلي فسوف أحكم بالعدل والقسط .
قال تعالى:{وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين} .( المائدة: 42 ) .
{الله ربنا وربكم ...}
الأديان كلها من عند الله ،وهي ناموس من نواميس الحياة ،وكما يخضع الكون والليل والنهار والسماء والأرض والشمس والقمر لأمر الله ،كذلك الأديان السماوية كلها من عند الله: الإبراهيمية ،واليهودية ،والمسيحية ،والإسلام .كلها وكتبها ورسلها وأحكامها نازلة من عند الله تعالى ،ولكل ملة شرعة ومنهاج ،وسيجازي كل فريق بما عمل .
{لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ...}
فنحن لا نستفيد بحسناتكم ،ولا نتضرر بسيئاتكم ،وسيلقى كل عامل جزاء عمله .
{لا حجة بيننا وبينكم ...}
لا محاجة ولا خصومة ولا جدال بيننا وبينكم ،فقد وضح الصبح لذى عينين ،فليأخذ كل إنسان طريقه وليتحمل تبعة عمله ،وسيأتي الوقت الذي يستبين فيه الحق ،ويتضح فيه سبيل الرشاد .
{الله يجمع بيننا وإليه المصير} .
هناك يوم آخر هو يوم الجمع ،يجمع الله فيه الأوليين والآخرين ،ويصدر الحكم لكل فريق بما يستحقه ،والمرجع والمصير إلى الله تعالى .
قال سبحانه:{قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون} .( الزمر: 46 ) .
قال في حاشية الجمل:
والغرض أن الحق قد ظهر ،والحجج قد قامت ،فلم يبق إلا العناد ،وبعد العناد لا حجة ولا جدل ،والله يفصل بين الخلائق يوم الميعاد ،ويجازي كلا بعمله .اه .