/م36
التفسير:
45-{واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمان آلهة يعبدون} .
إن التوحيد والإقرار لله تعالى بالوحدانية هو رسالة جميع الرسل ،دعا إليه نوح وإبراهيم وهود وصالح وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ،والتوحيد فطرة تنطق بها الأرض والسماء .
كما يقول القائل:
سل الأرض من شق أنهارك ،وغرس أشجارك ،وجنى ثمارك ،سل السماء من نجم نجومها ،وسخر شمسها وقمرها ،وأضاء نهارها وأظلم ليلها .
قال أبو حيان: والسؤال هنا مجاز عن النظر في أديان الأنبياء ،هل جاءت عبادة الأوثان في ملة من مللهم ؟
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى:{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ...} ( النحل: 36 ) .
ويصح أن يكون السؤال في الآية موجها إلى كل واحد من قريش .
وكأنه قيل: وليسأل كل واحد منكم أمم من أرسلنا قبلك من رسلنا ،هل شرع لأي أمة عبادة الأوثان أو الأصنام أو غيرها من دون الله تعالى .
أي: إنك يا محمد لم تأت قومك حين دعوتهم إلى التوحيد بأمر ابتدعته من عند نفسك ،بل هو أمر مجمع عليه من سائر المرسلين قبلك ،وهذا يدل على وحدة الدين الحق في أصوله ،ووحدة مهمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
ومن المفسرين من قال: سبب هذه الآية أن اليهود والمشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن ما جئت به مخالف لمن كان قبلك ،فأمره الله بسؤال الأنبياء على جهة التوقيف والتقرير والتأكيد ،لا لأنه كان في شك منه .
ويؤخذ من الآية ما يأتي:
دين التوحيد قديم ،ونبذ الشرك قديم ،فلذا سئلت أمم الرسل عليهم الصلاة والسلام:
هل أذن الله بعبادة الأوثان ؟
وهل أمر بعبادة غير الله ؟
والسبب الأقوى في بغض الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم وعداوتهم له هو إنكاره لأصنامهم ،فبين الله أنه غير مخصوص بهذا الإنكار ،ولكنه دين كل الأنبياء .
وإذا استعرضنا سورة ( هود ) ،فسنجد أنها ذكرت قصة نوح عليه السلام وهو يدعو قومه إلى التوحيد ،ثم نجد مثل ذلك في الآية ( 50 ) من نفس السورة:{وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ...}
وفي الآية ( 61 ):{وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ...}
ثم نجد في الآية ( 84 ) من نفس السورة:{وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ...}
أي أن الدعوة إلى توحيد الله تعالى ،والتوجه إليه وحده بالعبادة والطاعة ،والبعد عن ارتكاب المعاصي ،كانت رسالة جميع الرسل والأنبياء .
قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )9 .