المفردات:
ليلة مباركة: كثيرة البركة ،وهي ليلة القدر على الأصح .
منذرين: مخوّفين .
التفسير:
الليلة المباركة
والليلة المباركة على الأرجح هي ليلة القدر ،وهي إحدى ليالي شهر رمضان ،وفي الصحيح أنها إحدى ليالي العشر الأواخر من رمضان ،وقد ابتدأ نزول القرآن الكريم في ليلة القدر ،فسمى الشيء باسم أوله تيمنا به ،حيث خاطبت السماء الأرض في هذه الليلة .
ثلاثة تنزلات
ذكر السيوطي في ( الإتقان ) ،والزركشي في ( البرهان ) أن القرآن الكريم له ثلاث تنزلات:
1- التنزل الأول: من رب العزة جل جلاله إلى اللوح المحفوظ في السماء السابعة ،وإليه الإشارة بقوله تعالى:{بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ} .( البروج: 21 ،22 ) .
2- التنزل الثاني: من اللوح المحفوظ بالسماء السابعة إلى بيت العزة في السماء الدنيا ،وإليه الإشارة بقوله تعالى:{إنا أنزلناه في ليلة القدر} .( القدر: 1 ) .
وبقوله تعالى:{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ...} ( البقرة: 185 ) .
3- التنزل الثالث: من بيت العزة في السماء الدنيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،منجما حسب الوقائع والحوادث ،خلال ثلاث وعشرين سنة ،منها ثلاث عشرة سنة في مكة ،وعشر سنوات في المدينة المنورة ،والحكمة في تعدد نزول القرآن الكريم هو التشريف والتكريم لهذا الكتاب الكريم ،حيث أنزله الله ثلاثة تنزلات ،وأيضا لإلهاب شوق النبي صلى الله عليه وسلم ،حيث يشعر أن القرآن قريب منه بالسماء الدنيا ،على حد قول الشاعر:
وأعظم ما يكون الشوق يوما *** إذا دنت الخيام من الخيام
- فالقرآن الكريم نزل جملة واحدة من عند الله العلي القدير إلى اللوح المحفوظ بالسماء السابعة .
- ثم نزل جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا ،قال تعالى:{إنا أنزلناه في ليلة القدر} .( القدر: 1 ) .
- ثم نزل مفرقا ومنجما في شهور السنة كلها ،خلال ثلاث وعشرين سنة من عمره الشريف صلى الله عليه وسلم .
وبهذا نجمع بين الآثار الواردة التي تفيد أنه نزل في ليلة القدر ،وبين الواقع المشاهد الذي يفيد أنه نزل خلال ثلاث وعشرين سنة .
قال تعالى:{وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} .( الإسراء: 106 ) .
عمره الشريف صلى الله عليه وسلم
نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وعمره أربعون سنة ،واستمر نزول الوحي عليه ثلاث عشرة سنة في مكة ،وهاجر إلى المدينة وعمره الشريف ثلاث وخمسون سنة ،ومكث تسع سنوات وبضعة أشهر في المدينة ،وانتقل إلى الرفيق الأعلى وعمره اثنان وستون سنة وبضعة أشهر صلى الله عليه وسلم ،ويمكن أن نقابل ذلك بالتاريخ الميلادي فنقول:
- ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 570 ميلادية .
- بدء نزول الوحي عليه سنة 610 ميلادية .
- هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سنة 623 ميلادية .
- لحاقه صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى سنة 633 ميلادية ؛وهو التاريخ الموافق لسنة 10 هجرية .
عود إلى التفسير:
قال ابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل:
{إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين} .
وكيفية إنزاله فيها أنه أنزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة ،ثم نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء .
وقيل المعنى: ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر .
وقال القرطبي: ووصف الليلة المباركة لما ينزل الله فيها على عباده من البركات والخيرات والثواب .
وقال ابن كثير:
{إنا كنا منذرين} .
أي: معلمين الناس ما ينفعهم وما يضرهم شرعا ،لتقوم حجة الله على عباده .