/م13
يومئذ تعرضون: بعد النفخة الثانية للحساب والجزاء .
يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .
أي: في ذلك اليوم يعرض الناس للحساب ،والله سبحانه وتعالى مطّلع على سرائرهم وبواطنهم ،وقد ظهر كل شيء علنا أمام الناس .
أما المؤمنون فتظهر للناس أعمالهم ،وصدقة السّرّ ،وكل ما عملوه ابتغاء وجه الله ،فيزداد سرورهم .
وأما الكافرون والمنافقون ،فيظهر للناس سوء أعمالهم ،فيزدادون حسرة .
والعرض هنا عبارة عن المساءلة والمحاسبة .
روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ،وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ،فإنه أخفّ عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ،وتزيّنوا للعرض الأكبر: يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .
وروى الإمام أحمد ،والترمذي ،وابن جرير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ،فأما عرضتان فجدال ومعاذير ،وأمّا الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي ،فآخذ بيمينه ،وآخذ بشماله ) . vi .
قال المفسرون: وكل من الحمل والعرض لا يعني التجسيم والتشبيه بالمخلوقات ،وإنما للتصوير والرمز والتقريب إلى الأذهان .
وقال صاحب الظلال ما يأتي:
والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية .
والملائكة على أرجاء هذه السماء المنشقة وأطرافها ،والعرش فوقهم يحمله ثمانية: ثمانية أملاك ،أو ثمانية صفوف منهم ،أو ثمانية طبقات من طبقاتهم ،أو ثمانية مما يعلم الله ،لا ندري نحن من هم ولا ما هم ،كما لا ندري نحن ما العرش ،ولا كيف يحمل .ونخلص من كل هذه المغيبات التي لا علم لنا بها ،ولم يكلفنا الله من علمها إلا ما قصّ علينا ،نخلص من مفردات هذه المغيبات إلى الظلّ الجليل الذي تخلعه على الموقف ،وهو المطلوب منا أن تستشعره ضمائرنا ،وهو المقصود من ذكر هذه الأحداث ،ليشعر القلب البشرى بالجلال والرهبة والخشوع في ذلك اليوم العظيم ،وفي ذلك الموقف الجليل .
يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .
( فالكلّ مكشوف: مكشوف الجسد ،مكشوف النفس ،مكشوف الضمير ،مكشوف العمل ،مكشوف المصير ،وتسقط جميع الأستار التي كانت تحجب الأسرار ،وتتعرى النفوس ،وتتعرى الأجساد ،وتبرز الغيوب بروز الشهود ...)vii .
( ألا إنه لأمر عصيب ،أعصب من دكّ الأرض والجبال ،وأشدّ من تشقق السماء ،وقوف الإنسان عريان الجسد ،عريان النفس ،عريان المشاعر ،عريان التاريخ ،عريان العمل ما ظهر منه وما استتر ،أما تلك الحشود الهائلة من خلق الله ،من الإنس والجن والملائكة ،وتحت جلال الله وعرشه المرفوع فوق الجميع )viii .