ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون .
أي: ومن خفت موازين أعماله ،أو أعماله التي لا وزن لها ولا اعتداد بها ،وهي أعماله السيئة .
فأولئك الذين خسروا أنفسهم ،بسبب ما اقترفوا من سيئات أدت بهم إلى سوء العقاب ،فلم يعاملوا آيات الله بما تستحق من تعظيم ،فكذبوا بها وظلموا الفطرة التي فطر الله الناس عليها .
وقد اختلف العلماء في كيفية الوزن:
فقال بعضهم: إن التي توزن هي صحائف الأعمال ،التي كتبت فيها الحسنات والسيئات ؛تأكيدا للحجة ،وإظهارا للنصفة وقطعا للمعذرة .
وقيل: إن الوزن هنا كناية عن القضاء السوي ،والعدل التام في تقدير ما يمكن به الجزاء من الأعمال ،وذكر الوزن إنما هو ضرب مثل كما تقول هذا الكلام في وزن هذا وفي وزانه ،أي: يعادله ويساويه وإن لم يكن هناك وزن .
من كلام المفسرين:
جاء في تفسير أبي السعود ما يأتي: -
( والجمهور على أن صحائف الأعمال هي التي توزن بميزان له لسان وكفتان ينظر إليه الخلائق ؛إظهارا للمعادلة وقطعا للمعذرة ،كما يسألهم عن أعمالهم ،فتعترف بها ألسنتهم وجوارحهم ،ويشهد عليهم الأنبياء والملائكة والأشهاد ،وكما يثبت في صحائفهم ،فيقرءونها في موقف الحساب ،ويؤيده ما روى أن الرجل يؤتى به إلى الميزان فينشر له تسعة وتسعون سجلا مد البصر ،فيخرج له بطاقة فيها كلمتا الشهادة ،فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فتطيش السجلات وتثقل البطاقة .
وقيل: يوزن الأشخاص ؛لما روى عنه عليه الصلاة والسلام: ( إنه ليأتي العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ) ( 28 ) .
وقيل: الوزن عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل ،وبه قال مجاهد والأعمش والضحاك ،واختاره كثير من المتأخرين: بناء على استعمال لفظ الوزن في هذا المعنى شائع في اللغة والعرف بطريق الكناية .
وروى عن ابن عباس أنه يؤتى بالأعمال الصالحة على صور حسنة ،وبالأعمال السيئة على صور قبيحة .
وجاء في حاشية الجمل على الجلالين ما يأتي:
فإن قلت: أليس الله تعالى يعلم مقادير أعمال العباد فما الحكمة في وزنها ؟
قلت: فيه حكم: منها: إظهار العدل ،وأن الله تعالى لا يظلم عباده ،ومنها: امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا وإقامة الحجة عليهم في العقبى ،ومنها: تعريف العباد بما لهم من خير أو شر ،وحسنة أو سيئة ،ومنها: إظهار علامة السعادة والشقاوة ،ونظيره أن الله سبحانه أثبت أعمال العباد في اللوح المحفوظ ،وفي صحائف الحفظة الموكلين ببني آدم ،من غير جواز النسيان عليه .ا ه .
والذي علينا هو الإيمان بأن في الآخرة وزنا للأعمال ،وأنه على مقدار ما يظهر يكون الجزاء ،وأنه وزن أو ميزان يليق بما يجري في ذلك اليوم ،أما كيفية هذا الوزن وهل هو وزن للأعمال ،أو للأشخاص فمرده إلى الله ،الذي يعلم النوايا ومقدار الإخلاص والتجرد وهو نعم الحسيب المكافئ القائل في كتابه:
إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما .( النساء: 40 ) .
وهو سبحانه القائل: وكفى بالله حسيبا .( النساء: 6 ) .