أذاعوا به: أذاعوه ونشروه .
يستنبطونه: يستخرجونه .
تصوّر هذه الآية حال المؤمنين في المدينة ،حيث كونّوا مجتمعاً جديداً .وكان بينهم طائفة تدّعي الإسلام ،وهم المنافقون ،وطائفة أخرى ممن لم يتركز حالُهم من ضعاف المؤمنين .لذلك كان كل خبر يصِلُهم يستفزّهم ويطلق ألسنتهم بالكلام فيه وإذاعته بين الناس ،سواء أكان من ناحية الجيش الّذي يغزو ويقاتل العدو ،أو من ناحية الأمن الداخلي عندهم .وكان لكثير من المسلمين علاقات جوارٍ أو نسب أو صداقة مع اليهود والمنافقين ،فكان هؤلاء يستغلّون سذاجة المسلمين ويتلقون الأخبار ويشيعونها بين الناس مع زيادة وتغيير وتبديل .لذلك بيّن الله لهم ما ينبغي عمله في مثل هذه الحال ،فقال: ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر من القواد وكبار الصحابة ،لوجدوا عندهم العلم الحقيقي بالأمر ،لأن لهم الخبرة والدراية ،وهم الذين يعرفون كيف يستخرجون خفايا الحقائق بدقة نظرهم .
هذا من جهة سبب نزول الآية .أما حُكمها فإنه عام لجميع المسلمين ودائم في كل زمان ومكان .وفيها تأديب لكل من يحدّث بكل ما يسمع ،وكفى بذلك كذبا .وقد روى مسلم عن النبي الكريم أنه قال: «كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بك ما سمع » .
ولو تدبر المسلمون القرآن واهتدوا بهديه في كل زمان لما فسدت أخلاقهم وآدابهم ،ولما ظلم حكّامهم واستبدّوا ،ولما زال مُلكهم وسلطانهم .ولولا فضلُ الله عليكم بتثبيت قلوبكم على الإيمان لاتّبع أكثرُكم الشيطان ،ولم ينجُ من إغوائه إلا القليل .
هكذا يربّينا القرآن الكريم ويعّلمنا ،ليغرس الإيمان والولاء لصالح المسلمين ،يحدّده أولو الرأي فيهم لا أولي القوّة والأموال ،ويعلّم نظام الجندية في آية واحدة .