إنكار البعث أعجب العجب
وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 5 ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب 6 ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد7
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل الخطاب لكل من يقرأ القرآن ، والأول أولى لأنه جاء بعد ذلك{ ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات}والاستعجال منهم لا يكون إلا للنبي صلى الله عليه وسلم .
ومعنى النص السامي:وإن يكن من شأنك يا محمد أن تعجب من أمر فالأمر الجدير بالعجب ، فهو قولهم{ أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد} أما إن هذا هو وحده الأمر الحقيق بالعجب ، ونكر{ فعجب قولهم} لإفادة عظم هذا العجب لشدة الغرابة فيه .
والعجب منصب على قولهم{ أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد} ، فموضوع العجب هو هذا القول ؛ لأنه غريب في ذاته ينافي كل معقول ، وكل محسوس؛ لأنهم يرون في خلق الله تعالى أن الله سبحانه خلق السموات والأرض ، وخلق كل نوع نباتا ، وأشجارا ، ويحيي ويميت ، ويفلق الحب والنوى . فيجعل منه زرعا متراكبا ، ونخيلا وجنات ، وفوق ذلك هم يسلمون بأنه الذي ابتدأ خلقهم ، والابتداء في حكم العقل والفكر أشد من الإعادة ، كما قال تعالى:{. . . .كما بدأكم تعودون29} ( الأعراف ) وعجبهم الضال هو في أنهم بعد أن يصيروا ترابا يعودون أحياء .
والاستفهام للإنكار ، لإنكار الوقوع مع الغرابة من هذا الوقوع ، إن كان ، وكرر الاستفهام{ أئذا كنا ترابا} ، وقولهم:{ أئنا لفي خلق جديد}؛ لأن موضع الغرابة هو الخلق الجديد بعد أن يصيروا ترابا ، فدخل الاستفهام على الحالين ، والتعبير ب{ خلق جديد} يدل على موضع استغرابهم ، ونسوا أن الذي يخلقهم خلقا جديدا هو الذي أنشأهم ابتداء على غير مثال سبق ، ومن أنشأ على غير مثال سبق قادر على الإعادة على المثال الذي بدأه .
والسبب في ذلك أنهم كفروا بربهم ؛ ولذا قال تعالى:{ أولئك الذين كفروا بربهم} الإشارة إليهم محملين بهذا العجب من إعادة الخلق جديدا ممن بدأه ، وفي هذه الجملة السامية بيان سبب الإنكار وهو أنهم كفروا بربهم ، كفروا بقدرته القاهرة ، والتعبير بربهم في هذا المقام له سره العميق ؛ لأنهم يكفرون بقدرته وهو الذي أنشأهم ، ويربيهم ، ويقوم على أمورهم ، فكيف يعجز عن حال من أحوالهم .
{ وأولئك الأغلال في أعناقهم} الإشارة إليهم على النحو الذي بيناه ، والأغلال جمع غل وهو القيدالذي يرفع اليد إلى الأعناق ، وذكرت الأعناق في الآية لتأكيد وجود الغل ، وفي الكلام ما يفيد أن الأغلال معنوية ؛ ذلك أنهم لسيطرة المادة عليهم كانوا كأنهم في أغلالها لا ينفصلون عن هذه الأغلال ، فالكفر بالغيب أداهم إلى هذه الحال المثيرة للعجب من أمرهم ، ففي الكلام استعارة ، شبهت حالهم في استغراق المادة لنفوسهم بحال من وضع الغل في عنقه ، فلا يتحرك إلا تحت سيطرة هذه الأغلال ،و{ في أعناقهم} ترشيح للاستعارة .
وهناك تخريج آخر ، وهو أنهم يكونون في أغلال من حديد يساقون بها إلى جهنم ، وقد أكد سبحانه وتعالى بعد ذلك أنهم أصحاب النار هم فيها خالدون . فقال سبحانه وتعالى:{ وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} الإشارة لما ذكرنا إلى موضع العجب من أمورهم ، وقد أكد خلودهم في النار بالتعبير عنهم بأنهم أصحاب النار ، أي الذين يلازمونها بالصحبة الدائمة المستمرة ، وب{ هم} التي تدل على التوكيد ، وتدل أيضا على اختصاصهم بالدخول في النار والخلود فيها ، أنهم يبالغون في إنكار البعث ، ولا تجديهم النذر ، بل يستهزءون بالإنذار بعد الإنذار .