{* وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون5} .
المفردات:
وإن تعجب: العجب والتعجب كلاهما يستعمل على وجهين: أحدهما: فيما يستحسن ويحمد ،والثاني: فيما يكره وينكر .
الأغلال: جمع غل بضم الغين .وهو طوق من حديد ،أو غيره يوضع في العنق أو في اليد ؛فتشد به إلى العنق .
التفسير:
5{وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا ...} .
أنكر الكفار البعث والحشر والجزاء والحساب ،مع ما تقدم لهم من دلائل القدرة الإلهية ،التي تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي فغفلوا عن تقدير هذه القدرة ،وظنوا أن موت الإنسان ودفنه في التراب ،يصعب معه حياة الإنسان مرة أخرى .
والمعنى: وإن تعجب من تكذيب المشركين بأمر المعاد مع ما شاهدوه من دلائل قدرة الله تعالى .فعجب أشد منه قول المشركين:
{أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد} .أي: إذا فنيت أجسامنا ،وتفتت عظامنا ،وبليت وتحللت أجسامنا ،فإن الإعادة والبعث في صورة خلق جديد أمر بعيد مستغرب ،ولو عقلوا ؛لأدركوا أن قدرة الله على البدء متوفرة في الإعادة ؛بل الإعادة أهون .
قال تعالى:{وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}( الروم:27 ) .
من تفسير الكشاف للزمخشري:
{وإن تعجب} .يا محمد من قولهم في إنكار البعث ؛فقولهم عجيب ،حقيق بأن يتعجب منه ؛لأن من قدر على إنشاء ما عدد من الفطر العظيمة ،ولم يعي بخلقهن ؛كانت الإعادة أهون شيء عليه وأيسره ؛فكان إنكارهم أعجوبة من الأعاجيبiv .وقد تكرر هذا الاستفهام في أحد عشر موضعا في تسع سور من القرآن الكريم ،في الرعد والإسراء والمؤمنون والنحل والعنكبوت ،والسجدة والصافات والواقعة والنازعات ،وكلها تتضمن كمال الإنكار وعظيم الاستبعاد ،مثل قوله تعالى:{يقولون أئنا لمردودون في الحافرة* أئذا كنا عظاما نخرة* قالوا تلك إذا كرة خاسرة* فإنما هي زجرة واحدة* فإذا هم بالساهرة}( النازعات1014 ) .
ومثل قوله تعالى:{وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون* أو آباؤنا الأولون* قل إن الأولين والآخرين* لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم}( الواقعة:47 50 ) .
ومثل قوله تعالى:{وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا}( الإسراء:49 ) .
وجوز بعضهم: أن يكون الخطاب لكل من يصلح له ،أي: وإن تعجب أيها العاقل بشيء ؛فازدد تعجبا ممن ينكر قدرة الله على إحياء الموتى .
{أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم} .
أي: هؤلاء المنكرون للبعث المستعبدون له ،هم الذين كفروا بربهم وخالقهم ،وجحدوا نعمه المتعددة ،ولم يتأملوا بعقولهم في أن من أوجدهم قادر على إعادتهم بعد الموت .
{وأولئك الأغلال في أعناقهم} .
لقد حجّروا أنفسهم ،كأنما وضعوا قيودا في أيديهم وأعناقهم من الضلال ،تصدهم عن التأمل والتفكر وإتباع الحق ،كما قال القائل:
كيف الرشاد وقد خلقت في نفر لهم عن الرشد أغلال وأقياد
وقد يكون المعنى:
أولئك الذين توضع القيود والأغلال في أيديهم وأعناقهم يوم القيامة ؛عندما يساقون إلى النار بذلة وقهر ؛كما يقاد الأسير الذليل في القيد والغل .
قال تعالى:{إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون* في الحميم ثم في النار يسجرون}( غافر:72 ، 71 ) .
{وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} .
أي: وأولئك الملازمون للنار ،حتى كأنهم أصحابها ؛من طول إقامتهم فيها ،وهم ملازمون لها لا يخرجون منها أبدا .