قوله تعالى:{وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْألُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} .
في ضمير الفاعل في قوله{لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ} وجهان:
أحدهماأنه عائد إلى الكفار ؛أي: ويجعل الكفار للأصنام التي لا يعلمون أن الله أمر بعبادتها ،ولا يعلمون أنها تنفع عابدها ،أو تضر عاصيهانصيباً الخ ؛كقوله تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [ الحج:71] ،ونحو ذلك من الآيات .
وقال صاحب الكشاف: ومعنى كونهم لا يعلمونها: أنهم يسمونها آلهة ،ويعتقدون فيها أنها تضر وتنفع ،وتشفع عند الله ؛وليس كذلك !وحقيقتها أنها جماد ،لا يضر ولا ينفع ؛فهم إذاً جاهلون بها .
الوجه الثانيأن واو «يعلمون » واقعة على الأصنام ؛فهي جماد لا يعلم شيئاً .أي ويجعلون للأصنام الذين لا يعلمون شيئاً لكونهم جماداًنصيباً إلخ .وهذا الوجه كقوله:{أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [ النحل:21] ،وقوله:{فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} [ يونس:29] ،وقوله:{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ} ،[ الأعراف:195] الآية ،إلى غير ذلك من الآيات .وعلى هذا القولفالواو راجعة إلى «ما » من قوله: «لما لا يعلمون » .وعبر عنهم ب «ما » التي هي لغير العاقل ؛لأن تلك المعبودات التي جعلوا لها من رزق الله نصيباً ،جماد لا تعقل شيئاً .وعبر بالواو في «لا يعلمون » على هذا القول ؛لتنزيل الكفار لها منزلة العقلاء في زعمهم أنها تشفع ،وتضر وتنفع .
وإذا عرفت ذلك ،فاعلم أن هذا المعنى المذكور في هذه الآية الكريمة ،بينه تعالى في غير هذا الموضع ؛كقوله:{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} [ الأنعام:136] ،وذلك أن الكفار كانوا إذا حرثوا حرثاً ،أو كانت لهم ثمرة جعلوا الله منها جزءاً ،وللوثن جزءاً ؛فما جعلوا من نصيب الأوثان حفظوه ،وإن اختلط به شيء مما جعلوه لله ،ردوه إلى نصيب الأصنام ،وإن وقع شيء مما جعلوه لله في نصيب الأصنام تركوه فيه .وقالوا: الله غني ،والصنم فقير .وقد أقسم جل وعلا: على أنه يسألهم يوم القيامة عن هذا الافتراء والكذب !وهو زعمهم أن نصيباً مما خلق الله للأوثان التي لا تنفع ولا تضر في قوله:{تَاللَّهِ لَتُسْألُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} ،وهو سؤال توبيخ وتقريع .