قوله تعالى:{وَإِذَا رَءَا الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المشركين يوم القيامة إذا رأوا معبوداتهم التي كانوا يشركونها بالله في عبادته قالوا لربهم: ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك !وأن معبوداتهم تكذبهم في ذلك فيقولون لهم: كذبتم !ما كنتم إيانا تعبدون !
وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة .كقوله:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [ الأحقاف: 5-6] ،وقوله:{وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ ءالِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} [ مريم: 81-82] ،وقوله:{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} [ العنكبوت: 25] ،وقوله:{وَقِيلَ ادْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} [ القصص: 64] ،وقوله:{فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} [ يونس: 28] ،إلى غير ذلك من الآيات .
فإن قيل: كيف كذبتهم آلهتهم ونفوا أنهم عبدوهم ،مع أن الواقع خلاف ما قالوا ،وأنهم كانوا يعبدونهم في دار الدنيا من دون الله!
فالجوابأن تكذيبهم لهم منصب على زعمهم أنهم آلهة ،وأن عبادتهم حق ،وأنها تقربهم إلى الله زلفى .ولا شك أن كل ذلك من أعظم الكذب وأشنع الافتراء .ولذلك هم صادقون فيما ألقوا إليهم من القول ،ونطقوا فيه بأنهم كاذبون .ومراد الكفار بقولهم لربهم: هؤلاء شركاؤنا ،قيل ليحملوا شركاءهم تبعة ذنبهم .
وقيل: ليكونوا شركاءهم في العذاب ،كما قال تعالى:{رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَأتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ} [ الأعراف: 38] ،وقد نص تعالى على أنهم وما يعبدونه من دون الله في النار جميعاً في قوله:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [ الأنبياء: 98] الآية .وأخرج من ذلك الملائكة وعيسى وعزيراً بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [ الأنبياء: 101] الآية ؛لأنهم ما عبدوهم برضاهم ؛بل لو أطاعوهم لأخلصوا العبادة لله وحده جلَّ وعلا .