قوله تعالى:{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ 41} .
في هذه الآية الكريمة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بأن إخوانه من الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم استهزأ بهم الكفار ،كما استهزءوا به صلى الله عليه وسلم .يعني: فاصبر كما صبروا ،ولك العاقبة الحميدة ،والنصر النهائي كما كان لهم .وما تضمنته هذه الآية الكريمة من ذلك جاء موضحاً في مواضع من كتاب الله ؛كقوله تعالى:{مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} ،وقوله تعالى:{وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} الآية ،وقوله تعالى:{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ 34} ،وقوله تعالى:{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِير 25 ِثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ 26} ،وقوله تعالى:{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمور} والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وقوله في هذه الآية الكريمة:{فَحَاقَ بِهِم} أي أحاط بهم .ومادة حاق يائية العين .بدليل قوله في المضارع:{وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} ولا تستعمل هذه المادة إلا في إحاطة المكروه خاصة .فلا تقول: حاق به الخير بمعنى أحاط به .والأظهر في معنى الآية: أن المراد: وحاق بهم العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا ويستهزؤون به ،وعلى هذا اقتصر ابن كثير .وقال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة:{فَحَاقَ} أي أحاط ودار{بِالَّذِينَ} كفروا و{سَخِرُواْ مِنْهُمْ} وهزءوا بهم{مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ 41} أي جزاء استهزائهم .والأول أظهر ،والعلم عند الله تعالى .والآية تدل على أن السخرية من الاستهزاء وهو معروف .