وقوله هنا:{قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ} الظاهر أن معنى قولهم:{غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} أن الرسل بلغتهم ،وأنذرتهم وتلت عليهم آيات ربهم ،ولكن ما سبق في علم الله من شقاوتهم الأزلية ،غلب عليهم ،فكذبوا الرسل ،ليصيروا إلى ما سبق في علمه جل وعلا ،من شقاوتهم .ونظير الآية على هذا الوجه قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأليم} [ يونس: 96-97] وقوله عن أهل النار{قَالُواْ بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [ الزمر: 71] إلى غير ذلك من الآيات ،ويزيد ذلك إيضاحاً قوله صلى الله عليه وسلم «كلٌّ ميسر لما خلق له » وقوله تعالى:{هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} [ التغابن: 2] وقوله:{وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذالِكَ خَلَقَهُمْ} [ هود: 118-119] على أصح التفسيرين وقوله عنهم{وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ} اعتراف منهم بضلالهم ،حيث لا ينفع الاعتراف بالذنب ولا الندم عليه ،كقوله تعالى:{فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأصحاب السَّعِيرِ} [ الملك: 11] ونحو ذلك من الآيات .
وهذا الذي فسرنا به الآية ،هو الأظهر الذي دل عليه الكتاب والسنة ،وبه تعلم أن قول أبي عبد الله القرطبي في تفسير هذه الآية ،وأحسن ما قيل في معناه: غلبت علينا لذاتنا وأهواؤنا ،فسمى اللذات والأهواء شقوة لأنهما يؤديان إليها كما قال الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نَاراً} [ النساء: 10] لأن ذلك يؤديهم إلى النار ا ه تكلف مخالف للتحقيق .
ثم حكى القرطبي ما ذكرنا أنه الصواب بقيل ثم قال: وقيل حسن الظن بالنفس ،وسوء الظن بالخلق ا ه .
ولا يخفى أن الصواب هو ما ذكرنا إن شاء الله تعالى ،وقوله هنا:{قَوْماً ضَآلِّينَ} أي عن الإسلام إلى الكفر ،وعن طريق الجنة إلى طريق النار ،وقرأ هذا الحرف: حمزة ،والكسائي: شقاوتنا بفتح الشين ،والقاف وألف بعدها ،وقرأه الباقون: بكسر الشين ،وإسكان القاف وحذف الألف .